تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بما إنك مبتدئة في هذا الفن، فالأصل أن تتقيدي بمنهج معين، حتى تستقيم أصول ملكة التخريج عندك، وحينها يمكنك أحيانا الجمع بين أكثر من منهج ولا حرج، وهذا ما يفعله أغلب المخرجين والمشايخ الكبار، فإنهم يتقيدون بمنهج معين، مع تعديه أحيانا إلى غيره، وغرضهم في ذلك استقامة العمل (البحث)، فقد يقع أمامك إشكال عند ترتيب النتائج على منهج واحد، مع أن النتيجة ربما تستغرق طريقا طويلا للوصول إليها، فأهل التخريج الراسخين يتقيدون بمنهج من المناهج المعروفة عندهم، كالترتيب عن طريق المصنفات (الصحيحين، والسنن، والمسانيد، والمعاجم، والأجزاء، والأطراف، والمشيخات، ... )، أو عن طريق الوفاة، (مالك 179 هـ، عبد الرزاق 211 هـ، الحميدي 219 هـ، ابن أبي شيبة 235 هـ، ... )، أو عن طريق الصحة، (البخاري، مسلم، ابن خزيمة، ابن حبان، الترمذي ... )، وهكذا ...

لكن المنهج الأكثر اعتمادا عند عامة أهل العلم في القديم والحديث هو الأول، وهو الترتيب عن طريق المصنفات، بدءا بالصحيحين، ثم السنن، ثم المسانيد، ثم المعاجم، ثم الأجزاء، ثم الأطراف، وهكذا ...

ونصيحتي لك: أن تلتزمي بهذا المنهج الذي عليه عامة أهل العلم، وإن كان فيه نظر، ولا يعني هذا أن المناهج الأخرى سليمة، بل على العكس من ذلك، فكل منهج فيه نقص، وهذا هو السبب الذي حدا أهل العلم الراسخين إلى الجمع بين أكثر من منهج عند اقتضاء الحاجة، فيضطرون أحيانا إلى العدول عن منهج معين إلى غيره، وذلك إما:

- مراعاة لتقارب الألفاظ: فإذا نهجت مثلا منهج الصحة (بدءا بالبخاري، مسلم، الترمذي، ... )، فوضعت لفظ البخاري، لكن رأيت لفظ مسلم يخالفه، ولفظ الترمذي يوافقه، فالأولى تقديم الترمذي على مسلم، فيصير البخاري ثم الترمذي ثم مسلم، رغم أن المنهج المعتمد يلزم ترتيب المصادر على الصحة (البخاري، مسلم، ابن خزيمة، ابن حبان، الترمذي ... ). ومثل ذلك: ما أخرجه البخاري حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه). وبلفظه أخرجه النسائي قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى عن إسماعيل عن عامر عن عبد الله بن عمرو به. وأخرجه مسلم ولفظه: (إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير قال من سلم المسلمون من لسانه ويده). وقدمنا النسائي على مسلم لأن لفظه كلفظ البخاري، ولفظ مسلم قاصر، وهذا مثال تقريبي بسيط، وإلا فالأمر أكثر من ذلك.

- وإما قد يكون أحد أصحاب الكتب الستة قد روى من طريق المتقدم، فتأخير المتقدم عليه إرباك وإخلال بالترتيب، كمثل (البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أبي داود، ابن ماجة، أحمد، مالك)، فإن وجدت البخاري يروي من طريق مالك، فالأصل تقديم مالك على البخاري، وإن كان المنهج المعتمد يقتضي الصحة، أي البخاري ثم مسلم ... وهكذا، وبين البخاري ومالك مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي. ومثال ذلك: ما أخرجه مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: (لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعه نساءَ بني إسرائيل)، فنقول: ومن طريقه أخرجه البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك به.

فائدة:

"لفظ (به) يعني بالإسناد من مالك إلى القائل، وهو: مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة.

فيؤتى بلفظ (به) اختصارا عن تكرار السند، لكونه مَرَّ ذكره في الطريق المتقدم".

قلت:

ففي مثل هذه النوادر والحالات الشاذة قد تدعوك الضرورة إلى تأخير ما حقه التقديم، وتقديم ما حقه التأخير، وذلك لأجل ترابط الطرق، أو تقارب الألفاظ، ولأن جمع الألفاظ المتقاربة أو المتفقة في مكان واحد يسهل عليك عناء البحث عن العلل والمقارنة بين الألفاظ خاصة إذا كان التخريج طويلا جدا، بحيث يجد المخرج صعوبة في المقارنة بين الألفاظ، ودراستها وكشف عللها. والله الموفق.

السؤال الثاني:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير