الثاني: كتب التخريج، والتي خرج أصحابها فيها كتب السنة الأخرى، ككتاب تخريج الكشاف للزيعلي ونصب الراية له أيضا، والبدر المنير لابن الملقن، وإرواء الغليل للألباني، والإتحاف بتخريج أحاديث الإشراف لبدوي عبد الصمد، وتحفة الطالب بتخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب لابن كثير، ونتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار لابن حجر.
ومن أفضلها كنزل العمال للمتقي الهندي، وكشف الخفاء للعجلوني، والمقاصد الحسنة للسخاوي، وجامع الأصول لابن الأثير، وتخريج تفسير ابن كثير لأبي إسحاق الحويني ولعله لم يطبع أو طبع بعضه، والله أعلم.
السؤال الأخير:
ما الفرق بين أخرج وروى؟ وأيهما يفضل استخدامه عند التخريج؟ لأن الزيلعي استخدم اللفظين.
الجواب:
اصطلح المتأخرون من أهل العلم على إطلاق الإخراج (أخرجه) ويقصدون به (رواه)، أما المعاصرون فقد فرّقوا بين اللفظين (أخرجه، ورواه)، فيقولون مثلاً:
رواه نافع عن ابن عمر.
وأخرجه البخاري من طريق فلان عن فلان، فيستخدمون لفظة (رواه) للرواة في الإسناد، أي: لغير المصنف، بل لذكر الراوي الوارد في أثناء السند، وكذا إذا نقلوا طرف الإسناد (أي جزءا منه) فيقولون أيضا: رواه فلان عن فلان، لكن إذا أرادوا العزو إلى الكتاب قالوا: أخرجه.
وهذا استخدام حسن، فإذا أردت أن تعزو إلى الكتاب تقول: أخرجه، وإذا أردت أن تبيّن طرف الإسناد أو جزء من الإسناد تقول: رواه.
ففي الغالب تستعمل لفظ (رواه) للرواة في الإسناد غير الراوي الأدنى (صاحب المصنف كالبخاري مثلا هو الراوي الأدنى)، فتقولين مثلا: رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تقولين: أخرجه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا خطأ.
والبعض من أهل العلم تجاوزوا في استعمال كليهما (أخرجه، رواه) فتقولين: أخرجه البخاري، أو رواه البخاري على سواء.
فالخلاصة أنهما بمعنى واحد في اصطلاح المتأخرين كالزيلعي والسيوطي وغيرهما، وإن كان التفريق بينهما حسن، لكن يحترز من استعمال لفظ (أخرجه) عند العزو إلى الراوي في السند كأبي هريرة فيما سبق، فتقولين: أخرجه أبو هريرة، فهذا خطأ كما هو مقرر، غير أن الأفضل والأكثر قوة وأوسع مضمونا لفظ (أخرج)، والله أعلم.
فائدة في كيفية كتابة صيغة التخريج:
هناك طرق كثير استعملها المشتغلون بالتخريج، ولنأخذ حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)، لضرب المثال والتعرف عليها:
الطريقة الأولى، كتابة اسم المصنف، ثم الكتاب، ثم الباب، ثم رقم الحديث، ثم اسم الصحابي:
أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، رقم (09) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
الطريقة الثانية، بحذف الباب:
أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، رقم (09) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
الطريقة الثالثة: بحذف الباب والكتاب:
أخرجه البخاري، رقم (09) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
الرابعة: بحذف الباب والكتاب ورقم الحديث:
أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
فالطرق الثلاث الأولى من أفضلها وأبرزها، وأكثرها استعمالا الأولى، فهي جيدة حسنة، والأخير تستعمل في الكتب التي لا رقم ولا باب ولا كتاب فيها، كمسند أحمد رحمه الله.
فائدة أخرى في ترتيب أصحاب المصنفات على الوفيات:
(مالك 179 هـ، عبد الرزاق 211 هـ، الحميدي 219 هـ، سعيد بن منصور 227 هـ، ابن أبي شيبة 235 هـ، إسحاق بن راهويه 238 هـ، أحمد 241 هـ، الدارمي 255 هـ، البخاري 256 هـ، مسلم 261 هـ، ابن ماجه 273 هـ، أبو داود 275 هـ، الترمذي 279 هـ، النسائي 303 هـ، ابن خزيمة 311 هـ، أبو عوانة 316 هـ، ابن حبان 354 هـ، الدارقطني 385 هـ، الحاكم 405 هـ، أبو نعيم 430 هـ، البيهقي 458 هـ).
فائدة في كيفية اكتساب ملكة التخريج:
تكتسب ملكة التخريج بالنظر في تخريجات أهل العلم الراسخين كما أشار إلى ذلك شيخنا ماهر الفحل –بارك الله فيه ورضي عنه- ومحاولة تطبيقها تطبيقا عمليا، ومن أهم الكتب المعينة على ذلك، والتي انصح بها نفسي أولا، ولا ألفين أحدا يريد هذا العلم ويعدل عنها إلى غيرها، وهي:
- تخريج تفسير ابن كثير، للعلامة أبي إسحاق الحويني.
- النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة، لأبي إسحاق الحويني.
- تنبيه الهاجد، لأبي إسحاق الحويني.
- تخريج تفسير ابن كثير، لأحمد شاكر.
- السلسلة الضعيفة، لناصر الدين الألباني.
- الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين، لمقبل بن هادي الوادعي.
- التلخيص الحبير، لابن حجر العسقلاني.
وهذه الكتب لو بيعت بوزنها، لما فيها من ثراء المادة، وعظيم الفائدة، ونوادر العلم، وحري بطالب علم درسها أن تزداد ملكته، وتتسع رقعته.
هذا وما كان من طلب أو مساعدة فإني رهن إشارة الإخوة فيما استطعت إليه سبيلا، وأسأل الله التوفيق لما يحبه ويرضاه، وأعوذ به من أن أزل أو أزل، أو أضل أو أضل، أو أجهل أو يجهل علي، وأسأله لإخواني جميعا الفوز برضوانه والحظوة بجناته، وأن يعلمنا ما جهلنا وينفعنا بما علمنا ويزيدنا علما، إنه ولي ذلك ومولاه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله أعلم.
¥