ونلاحظ من خلال هذا / النقادُ من أئمة الحديث في الغالب لا يعلّون الحديث بالتفرد إذا كان المتفرد من طبقة التابعين، وأما من بعدهم فيقل التفرد، فكلَّما تفرد الراوي وهم من الطبقات المتأخرة كلما شعر أن هناك نوعا من عدم الضبط بينما التابعيون يكثر فيهم التفرد ثم يقل، لذا العلماء يتساهلون في المجاهيل من التابعين لأنه لم يكن ظهر فيهم الكذب ويكثر التفرد.
الكتب التي عُنيت بتخرج الأحاديث من هذا النوع:
أولا: "نصب الراية لأحاديث الهداية"لجمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي المتوفى سنة 762 بتحقيق محمد عوّامة، هو كتاب نفيس جدا.
ثانياً: البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير" للإمام أبي حفص عمر بن علي الملقن، المتوفى سنة 804، وهو من أنفس الكتب في بابه، قد طبع كاملا طبعة جيدة، وهذا من أنفس الكتب في الحقيقة ومليء بالفوائد والدرر والنقول عن أئمة الحديث المتقدمين. واختصر هذا الكتاب ابن حجر في كتابه "التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعيّ الكبير" لابن حجر العسقلانيّ المتوفى سنة 852 وهو مفيد نافع.
ثالثاً: "تنقيح التحقيق من أحاديث التعليق" للإمام ابن عبد الهادي وهذا مليء بالدرر والفوائد, ومليء بالنقول عن أئمة الحديث المتقدمين، ويعجب طالب الحديث من هذا الكتاب.
رابعاً: "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" للشيخ محمد ناصر الدين الألباني, وهو كتاب نفيس في بابه خرّج فيه أحاديث منار السبيل للشيخ ابن ضويّان -من أمهات الكتب، مذهب الإمام أحمد إمام أهل السنة-, وهو مليء بالدرر والفوائد، وهو، وفيه مادةٌ غزيرةٌ جداً من الأحاديث.
(2) وإما عن طريق طرف الحديث الأول أو مطلع الحديث الأول. وبيانه: حديث: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه". طرفه الأول: "من حج". فنبحث عن الحديث في حرف الميم ثم النون ثم الحاء. -وعلى الباحث أن يعرفَ طرف المتنِ الأول-.
الكتب التي عُنيت بتخرج الأحاديث من هذا النوع:
وهي على نوعين:
النوع الأول: أحاديث مرتّبة على حروف المعجم. ومن أمثلةِ الكتبِ: أشهرها: "الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير" لعبد الرحمن بن أبي بكر المعروف بجلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911، فقد جمع في كتابه الأحاديث النبوية القولية مرتبة على حروف المعجم معتمدا على مصادر كثيرة من كتب السنة، ذاكرا طرف الحديث ثم من أخرج الحديث ثم الحكم على الحديث، بلغ عدد الأحاديث أكثر من عشرة آلاف حديث، ثم ألّف كتابا آخر سمّاه زيادة الجامع الصغير، فأضاف فيه أكثر من أربعة آلاف حديث على الكتاب، ثم جاء بعده الشيخ يوسف النبهاني فجمع هذين الكتابين بكتاب سمّاه "الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير" ثم قام الشيخ الألباني فعمل جهدا كبيرا في الكتابين فقسمهما إلى قسمين: "صحيح الجامع الصغير وزيادته" و "ضعيف الجامع الصغير وزيادته".
فائدة: للجامع الصغير شرح نفيس "فيض القدير شرح الجامع الصغير" كتاب يغفل عنه طلبة العلم, من الشروح القيمة التي لا يُمل من قراءتها، فيها درر وفوائد وفيها نقول ربما لا توجد في غيرها، فيه نُقولٌ عن الأئمة الأعلام, وفيه تعقبات على السيوطي وهي جميلة جداً.
تطبيق مثال: حديث مشهور عند الناس "إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" فتبحث بحديث بدايته (م, ن,ح, ج) فذكر الإمام السيوطي في كتابه الجامع الصغير في الجزء الأول "إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" رقم الحديث 2908، رقم الصفحة 448، وعزاه إلى أبي داود، وقال: ضعيف. وذكره الألباني في كتابه الضعيف وقال حديثٌ ضعيف، راجع السلسلة الضعيفة وأشار إلى حديث 1902.
النوع الثاني: كتب الفهارس وهي تكاد في كل كتاب معاصر. ولا أعلم كتاباً على المنهج السابق إلا كتاباً واحداً, وهو مُسند الفردوس" لأبي منصور الديلمي المتوفى سنة 558، وهو الكتاب الوحيد الذي أعرفه من كتب المتقدمين الذي رتب الأحاديث على حروف المعجم، الذي هو مطلع الحديث. ولا يخلو كتاب مطبوع من فهرسةٍ لأحاديثَ على هذه الطريقة.
¥