تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أخي الكريم: هذا الذي تسميه انت تعقيدا إنما سببه منهجية المتأخرين انفسهم، وذلك ان المتأخرين غايروا منهج المتقدمين في تاصيل علم الحديث، وحاولوا في تقريبه وتيسير الوصول إليه ان يجعلوه قواعد وضوابط، ولم يكن هذا عند المتقدمين، فلم يكن المتقدمون يتكلفون في اطلاق الاصطلاح على ما يتكلفه المتأخرون، والذين جعلوا هذا العلم جافا محدودا بقوالب ضيقة، نعم كان للمتقدمين قواعد وضوابط، لكنها عامة وهي خاضعة في الغالب للقرائن، وكان المتقدمون يعتبرون العلل في تقريراتهم، فكانوا يدققون اشد التدقيق، فمثلا تعارض الوصل والارسال، أو الوقف والرفع، لم يكن عندهم فيه قاعدة ثابتة كما عند المتاخرين، فكان المتقدمون يعتبرون الأرجح بحسب ضوابط الترجيح مثل كون الراوي اوثق، أو الرواة اكثر، او الراوي بلدي من روى عنه، او من اهل بيته، او عرف بملازمة من اختلف عليه دون غيره، أما المتاخرون فعندهم ضابط في هذه المسألة وهو ان الوصل زيادة ثقة وزيادة الثقة مقبولة، وهذا الضابط وإن كان موجودا عند المتقدمين، لكن لم يكن اعمالهم له كإعمال المتاخرين له.

وهكذا في قضية المصطلحات، فأنت عافاك الله لو تتبعت المصطلحات لتجلى لك امر في غاية الخطورة، وهو انه قل يوجد مصطلح عند المتاخرين يحمل نفس المعنى عند المتقدمين، فالتدليس مثلا، هو عند المتقدمين في الغالب بمعنى الإرسال، والذي هو بمعنى رواية الراوي باسقاط الواسطة، وانت لا يخافك معنى التدليس عند المتاخرين، ولهذا عظم وهم المتاخرين في الحكم على احاديث الزهري وابن جريج وقتادة وابي اسحاق السبيعي والحسن البصري وإبي الزبير والوليد بن مسلم والشعبي وابن المسيب وغيرهم ممن كان يرسل ويقول عنه كثير من المتأخرين فلان دلس كذا وكذا.

وقس على هذا مصطلح المنكر، والشاذ والحسن والمعضل والصدوق والباطل والغريب و و و و و ....

فأنت اذا ما قارنت الإصطلاحات لا تكاد تجد واحدا منها موافقا لما عليه المتقدمين.

فهذا الذي تطالب به انت وتسميه تعقيدا إنما أتى من خطأ قولبة المصطلحات وحصرها في معنى واحد لتيسيرها و التي سعى إليها المتاخرون وجهدوا كثيرا في تقعيدها، فاختلط الأمر علهم ومن ثم علينا، فلا مصطلحا ضبطوا ولا منهجا أقاموا.

والاصل في هذا كله: هو أن المتاخرين ركنوا إلى الدعة والراحة ولم ييوفر لديهم الهمة في الحفظ والتحصيل و تتبع مرويات كل راو على حدة ومعرفة كم روى ومن روى عنه وأي شيخ ضبط حديثه دون غيره من الشيوخ وَمَنْ مِنْ اصحابة اوثق فيه وكم حديث اخطأ فيه ومتى يرسل ومتى يصرح بالتحديث ومن الذين يدلس عنهم وهكذا في مباحث العلل التي يمكن ان تخطر ببالك، وإنما أرادوا تجاوز كل هذا الى ما يسمونه قواعد وضوابط ليسهل عليهم الأمر ويختصر لهم الوقت ويختزل لهم الجهد، وفاتهم ان هذا الأمر دين وأنه دونه تفى الأعمار وتبذل المهج. فلعل في هذا ما يوصل اليك الفكرة، التي نحن بصددها، وهي ان الخطأ من المتاخرين الذين حصروا الاصطلاحات وفق منهجهم في الاختصار، فإذا علم هذا فلا يطالب الترمذي ولا غيره من ائمة هذا الفن بحصر المصطلحات على طريقة المتاخرين الفاسدة والكاسدة والكسولة والمتقلدة والمتعصبة، وإنما يطالب المتاخرون انفسهم ان يعودوا إلى طريقة المتقدمين والتي لا بديل عنها ولا عوض لها ولا محيص عنها وبغيرها يستحيل تحرير الحديث تحريرا يوافق الحق.

اللهم علمنا ما ينفعنا وزدنا علما وبارك لك بعلمنا.

ـ[أبو محمد البلداوي]ــــــــ[08 - 06 - 10, 05:40 م]ـ

الاخ العزيز الحارث بن علي هداه الله وايانا لما يحب ويرضى

شكرا على الجواب ولي على جوابكم بعض الملاحظات البسيطة:

قلتم: (أخي الكريم: هذا الذي تسميه انت تعقيدا إنما سببه منهجية المتأخرين انفسهم، وذلك ان المتأخرين غايروا منهج المتقدمين في تاصيل علم الحديث، وحاولوا في تقريبه وتيسير الوصول إليه ان يجعلوه قواعد وضوابط، ولم يكن هذا عند المتقدمين، فلم يكن المتقدمون يتكلفون في اطلاق الاصطلاح على ما يتكلفه المتأخرون، والذين جعلوا هذا العلم جافا محدودا بقوالب ضيقة).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير