تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[الحارث بن علي]ــــــــ[10 - 06 - 10, 02:31 ص]ـ

السلام عليكم ورحمة الله:

يعلم الله أني مشغول جداً بتحقيق تيسير الوصول، وليس عندي من الوقت ما أشتغل فيه بالردود.

أخي الكريم:

باختصار، ليس للمتأخرين أن يتفقوا على اصطلاح نوع من انواع الحديث، قد تقرر عند المتقدمين، بل هذا من أمحل المحال.

ولنضرب مثالا يجلي مرادنا:

الحديث المنكر، فهوعند المتقدمين على ستة معاني، فإذا جاء المتأخر، وأراد أن يجمع هذه المعاني في معنى واحد، وعندما يتعذر عليه ينتقي منها منعى بعينه، فيكون ماذا صنع؟

النتيجة أن حتما سيخلط الأمر عليه وعلى غيره، وإليك البيان.

فأحمد يطلق المنكر على تفرد الثقة بالحديث، والحاكم يطلقه على مطلق التفرد، وعند المتأخرين - بعد ان اتفقوا -: مخالفة الضعيف للثقة.

فإذا جئت انت وغيرك تريد البحث عن حديث فرأيت أن ابن حجر قال عنه صحيح، بناء على تفرد هذا الثقة، ورأيت أحمد قال عنه منكر، وهو عنده بمعنى تفرد ثقة ما به، فأول ما يتبادر إلى ذهنك، أن الحديث تفرد به ضعيف خالف ثقة، لأنك لا تعرف للمنكر غير المعنى المصطلح عليه عند المتاخرين، ثم إذا جئت تبحث في رواة السند رأيتهم كلهم ثقات، وتتبعت مرويات هذا الحديث فلم تجد في النصوص ما يخالفها، فماذا سيتبادر إلى ذهنك عندها؟ سيتبادر ساعتها أن أحمد وهم في الحكم على رواة السند، ومن ثم الحكم على الحديث.

لأنك ستقول: اين الضعيف في السند؟ واين مخالفته؟

وهذا أول طامات توحيد الاصطلاح، وهو تصور وهم الإئمة الكبار، ومن ثم انتزاع الثقة بهم، وهذا هو الحاصل، فقد رأيت بعض الجهلة، يقيم مقارنة بين الألباني رحمه الله وبين البخاري رحمه الله وانتهى إلى ان الألباني اعلم،

وثاني الطامات: خلط المفاهيم المتعددة، وحملها على معنى واحد.

ومن ثم سيتغير عليك الحكم على الحديث، بل من السهل جدا ان تقع في الحيرة بين حكم المتقدم عليه بالنكارة، وحكم المتأخر عليه بالصحة، ومن الطبيعي جدا وانت ابن مدرسة المتاخرين ان تقدم حكم المتاخرين عليه، ولا تقيم وزنا لحكم المتقدمين عليه، وهذا هو الحاصل.

وبالجملة: ليس لأحد أن يحصر المنكر – مثلا - بمعنى واحد بناء على دعوى تيسير الاصطلاح وتقريبه، وانت مضطر للنظر في الحكم على حديث في كتب المتقدمين.

وليس يصلح أن يضع أحدٌ مصنفا في الحديث أو يشرح متنا حديثيا، ينتقي فيه مذهبا معينا في مسألة من المسائل، أو يلفق مصطلحا من جملة مصطلحات وهم مختلفون أصلا.

فإن غالب ما اعترض به المتأخرون على المتقدمين، مبني على حمل المصطلح على فهمهم.

فكم من معترض على الترمذي في حديث ضعيف قال عنه حسن وهو يريد المعنى المتعارف عليه عند أئمة الشأن في زمانه، وقد حمل العترض اطلاقه للحسن على المعنى المتعارف عليه عند المتاخرين، فكانت النتيجة ان اتهم الترمذي بأنه متساهل.

والترمذي لو جمعت المتاخرين كلهم من لدن الخطيب البغدادي حتى قيام الساعة، وجعلتهم في كفة، وجعلت الترمذي في الكفة الأخرى لرجحت كفة الترمذي عليهم حفظا وفهما وعلما ودراية ورواية.

وهكذا جميع المتقدمين ما من واحد منهم إلا وهذه منزلته.

فهل يعقل ان يختلف ابن المديني وابن حجر في الحكم على حديث فيعله ابن المديني، ويقبله ابن حجر ومن ثم نقدم حكم ابن حجر عليه، لا ريب ان هذا ضرب من الجنون، وعبث بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قلت هذا في معرض نقاش مع شيخنا العلامة صبحي السامرائي وقد اقرني على هذا بحمد الله.

اخي الكريم: إنك لا تجد حديثا اختلف المتاخرون فيه والمتقدمون، إلا وكان الحق فيه مع المتقدمين، حكما وإعلالا وفهما.

وأنا أقول من هنا من هذا الملتقى المبارك: هاتوا حديثاً اختلف فيه المتقدمون والمتاخرون، وكان الحق فيه مع المتاخرين.

هذا بشرط ان لا يكون المتأخرون قد وافقوا فيه قول أحد المتقدمين.

فإذا تبين لك هذا، فاعلم:

أن الواجب سبر مصنفات المتقدمين في الحديث من السنن والمسانيد والمعاجم وكتب العلل والسؤالات والتراجم ونحوها، ثم تتبع ألفاظ الأئمة المتقدمين وجمعها ومقارنتها ببعضها بعضا، ومن ثم ضبط حد المتقدمين، لأنهم أقعد بهذا الفن والعمل على ما في كتبهم، وحمل المصطلح على مرادهم ومن ثم بناء علم الحديث والمصطلح عليه.

ولا يلتفت إلى مقالات المتأخرين في تحرير اصطلاحات المتقدمين، فهي إما أنها قلد بعضهم بعضا فيها، وإما أن مطلقاها بدا له أمراً لأول وهلة فظنه نهائيا فقال به من غير أن يستقصي أو يتثبت ..

وكذلك الحل الأمثل حفظ مصطلحات الأئمة واحدا واحد، بل ليس ثمة حل غيره.

فتنبه وكن حذرا فإني لست من المتأخرين على ثقة ولا ثَلَج.

فلا بد من المراجعة من جديد والغربلة وإزاحة المفاهيم المغلوطة على المتقدمين وبيانها، ومن فعل ذلك أمن الغبش والخلط، وبدا له البون الشاسع بين القوم ومن تأخر عنهم، نعم الأمر شاق، لكن الأمانة والسؤال عنها أشق، والخلط في الأحكام أعظم سوءا ومفسدة، وصون سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ما ليس منها يستحق بذل المهج.

وعن ابْن عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ (ابْنِ سِيرِين) قَالَ: إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ أخرجه أبن أبي شيبة والدارمي ومسلم.

معذرة أخي فأنا على عجالة من أمري، وهذا الأمر يكتب فيه مجلدات، وإنما ضربت مثلا لا أريد به جدلا.

علمنا الله وإياك الحق، ورزقنا الله وإياك التوفيق والسداد، وجمعنا الله وإياك على خير وحب في الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير