تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وانتخب مسلم، رحمه الله، على عدد من الشيوخ المتكلم فيهم، كأسباط بن نصر وسويد بن سعيد وقطن بن نسير وأحمد بن عيسى المصري، وذكر أنه لم يرو عنهم إلا ما وافقوا فيه، الثقات الأثبات، ليعلو بسنده، فالحديث عندهم بسند عال، وعند غيرهم من الثقات بسند نازل، فيرويه عنهم لعلمه أنه صحيح في نفس الأمر، فما المانع أن يعلو بسنده طالما تأكدت عنده صحة الرواية من طريق أخرى؟.

وإلى هذا أشار الحافظ العراقي، رحمه الله، في ألفيته، بقوله:

ففي البخاري احتجاجا عكرمة ******* مع ابن مرزوق وغير ترجمة

واحتج مسلم بمن قد ضعفا ******* نحو سويد إذ بجرح ما اكتفى

والمقصود بـ: "عكرمة"، في البيت الأول: عكرمة مولى ابن عباس، رضي الله عنهما، وهو ممن تفرد البخاري، رحمه الله، بالرواية عنهم، دون مسلم، وهو ثقة ثبت، ولكنه رمي ببدعة الخروج، (أي انتحال مذهب الخوارج)، لكلمات صدرت منه لما رحل إلى بلاد البربر، موطن آبائه، وكانت هذه البدعة منتشرة بينهم، لظلم وقع عليهم من ولاة الدولة الأموية، والراجح براءته، رحمه الله، مما نسب إليه، من القول بالخروج، بل إن رحلته لبلاد البربر، ما كانت إلا لنشر السنة بين أهلها، فرحل داعيا إلى الله، عز وجل، ناشرا لدينه بين أهله وعشيرته، والله أعلم.

وأما ابن مرزوق، فهو: عمرو بن مرزوق، وسبقت الإشارة إليه.

وأما سويد في البيت الثاني فهو: سويد بن سعيد، وسبقت الإشارة إليه أيضا.

وممن أكد على هذا الأمر:

شيخ الإسلام ابن القيم، رحمه الله، حيث أشار لمنهجين متضادين في هذا الشأن يظهر بالمقارنة بينهما وبين منهج المتقدمين، الفرق بين نقد الأوائل ونقد من تلاهم من المتأخرين، وهما:

منهج الحاكم، رحمه الله، حيث استدرك على الشيخين، كل أحاديث الرواة الذين خرجا لهم، فيأتي لأحاديث سويد بن سعيد، على سبيل المثال، فيجد مسلما، رحمه الله، قد انتقى منها أحاديث، وأعرض عن أحاديث، فيعتبر ذلك من التفريق بين المتماثلات، إذ كيف يخرج بعضها دون بعض، والشيخ الذي يرويها واحد؟، فيلزم مسلما بتخريج كل أحاديث سويد بن سعيد، رغم أن مسلما، رحمه الله، لم يشترط الاستيعاب، كما نص هو نفسه على ذلك، ولم يفعل ذلك تفريقا بين المتماثلات، وإنما فعله انتقاء، فما كل أحاديث سويد صحيحة حتى يحتج بها، فما من راو، وإن كان في أعلى درجات الضبط والإتقان، إلا وله أوهام، فهل يعني هذا تخريج ما وهم فيه؟، فما بالك إذا كان الراوي متكلما فيه أصلا، لا شك أن أوهامه ستكون أكثر، ولذا فإن الناقد يحتاط في الرواية عنه ما لا يحتاط في الرواية عن غيره، وهذا ما فعله مسلم، رحمه الله، وهو بلا شك دليل واضح على براعة الأوائل وإحاطتهم بالطرق والمخارج وتمييزهم الصحيح من الخطأ.

ومنهج ابن حزم، رحمه الله، الذي سلك مسلكا مضادا لمسلك الحاكم، رحمه الله، حيث ألزم الشيخين بإعلال أحاديث من رووا عنهم من الضعفاء، لأن الضعيف لا يحتج به، فلم تخرج بعض أحاديثه دون بعض، أليس هذا، أيضا من التفريق بين المتماثلات؟، فابن حزم، يرى أن حال الراوي لا يتجزأ، فإما أن يكون صادقا ضابطا في كل ما رواه، فيقبل كله، وإما العكس، وهذا خلاف الواقع المشاهد، فإن الراوي المتكلم فيه قد يصيب في أحاديث فيحتج الناقد بروايته لها، إن تأكد من صحتها، بأن يتابعه عليها جمع من الثقات، كما هو حال من خرج لهم مسلم من الضعفاء، وقد يخطئ، فلا يقبل ما أخطأ فيه، وعليه فلا تثريب على الشيخين فيما خرجا من أحاديث من تكلم فيهم، وفيما أعرضا عنه، بل إن الراوي قد يحتج به في باب من أبواب العلم دون بقية الأبواب، فيقال مثلا: فلان روايته في باب الصلاة مقدمة على رواية غيره، وإن كان ضعيفا في باب الزكاة أو الصيام أو الحج أو ........ الخ، والله أعلم.

وابن القيم، رحمه الله، يؤكد على حقيقة أخرى في غاية الأهمية، وهي موضع رواية الشيخين عن هذا الراوي، هل هي في الأصول المحتج بها، أم في الشواهد والمتابعات والمعلقات، التي يخف شرط المصنف فيها، فيقبل فيها ما لا يقبل في الأصول، أم في موضع من الكتاب، خف شرط المؤلف فيه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير