تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما في رواية البخاري، رحمه الله، لحديث مطر الوراق، رحمه الله، تعليقا بصيغة الجزم، (أي جازما بصحته إلى مطر، رحمه الله، دون بقية السند)، فلا يقال هنا بأن مطر الوراق، من رجال الصحيح، لأن البخاري لم يخرج له في الأصول التي يحتج بها.

وكما في رواية مسلم، رحمه الله، لحديث سفيان بن حسين، وهو متكلم فيه، فقد روى عنه مسلم، في مقدمة كتابه الصحيح، لا في أصل الكتاب، ومعلوم أن شرط مسلم، رحمه الله، في المقدمة، ليس كشرطه في أصل الصحيح، فشرطه في الأول أخف من شرطه في الآخر.

وكما في رواية البخاري، رحمه الله، لبعض أحاديث الفضائل والسير، عن رواة يعتبر حديثهم من الحسن لغيره، وهو دون شرطه، لأن أبواب الفضائل والسير مما يتسامح فيه ما لم يكن الحديث موضوعا أو شديد الضعف، والله أعلم.

وممن أكد على ذلك أيضا، الحافظ أبو الحجاج المزي، رحمه الله، صاحب "تحفة الأشراف"، حيث أشار إلى أن رواية البخاري ومسلم عن راو ما، لا يلزم منها صحة كل أحاديث هذا الراوي، وإنما غاية ما يقال: أن ما خرجه الشيخان من حديثه، صحيح، وما عداه، ينظر فيه قبل الحكم عليه بصحة أو ضعف، والله أعلم.

ويهتم المحدثون النقاد بدقائق الأمور، حتى أحصوا عدة ما رواه الراوي عن شيخه، فنجد، على سبيل المثال، الحافظ أبا الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي، رحمه الله، المتوفى سنة 742 هـ، صاحب "تحفة الأشراف"، وهو كتاب في الأطراف، يقول بأن: عدة ما روى قتادة بن دعامة السدوسي البصري، رحمه الله، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، وهو أثبت الناس فيه: 314 حديثا.

وكمثال آخر: نجد النقاد يرتبون الرواة عن ابن عمر، رضي الله عنهما، فيقولون: روى نافع عن ابن عمر: 1000 حديث، ويليه سالم: 300 حديث، فعبد الله بن دينار: 142 حديثا.

ويهتمون بمعرفة عدد الأحاديث التي أخطأ فيها كل راو، فيقولون: فلان، أحاديثه كلها صواب إلا حديث كذا وحديث كذا:

كما قالوا في مراسيل إبراهيم النخعي رحمه الله: بأنها كلها صواب ما عدا اثنين، (والرقم يحتاج إلى تحقيق)، والله أعلم.

بل ويهتمون بحفظ الأحاديث المكذوبة، لئلا تختلط بالأحاديث الصحيحة، كما أثر ذلك عن إمام الجرح والتعديل يحيى ابن معين، رحمه الله، المتوفى سنة 233 هـ.

ولا يكتفون بسماع الحديث من طريق واحد، بل ينشدون طرقه كما تنشد الضالة، ومن ذلك قول ابن معين، رحمه الله، بأنه ربما سمع الحديث من 30 طريقا، حتى يعرف مخرجه، ويقارن بين طرقه، وهذا هو منهج أئمة العلل، من النقاد المتقدمين، الذين يجمعون طرق الأحاديث المعللة، للمقارنة بينها ومعرفة المخطئ في الرواية.

ويهتمون، أيضا، بدراسة مرويات كل راو على حدة، مع مقارنتها بأحاديث الثقات الحفاظ من طبقته، ليصدروا حكما عاما على روايته، دون التعرض لتفاصيل كل مروية، ومن ذلك قول يحيى بن معين، رحمه الله، لراو سأله كيف عرف أنه ثقة، وأظن السائل إسماعيل بن علية، رحمه الله، قوله: عرضنا أحاديثك على أحاديث الثقات فوافقتها، وهذا أيضا من معالم النقد عند الأئمة المتقدمين فأحكامهم على الرجال نابعة من سبر مروياتهم، خلاف المتأخرين الذين عكسوا الأمر، فأصبح الحكم على الرواية عندهم نابعا من الحكم على الراوي، بأنه ثقة أو صدوق ........ الخ.

ويهتمون بدقائق الأسانيد، فتراهم يهتمون بجمع طرق الأحاديث لمعرفة أعيان المبهمين، في سند أو متن ما، والمبهم هو: من لم تعرف عينه، كأن يأتي في سند ما عبارة: عن رجل، أو عن جماعة من أصحابنا ......... الخ، فيبحث الناقد عن طرق اخرى للحديث ورد فيها اسم هذا المبهم، أو يرد في متن، كأن يقال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله .......... ، فيبحثون عن طرق أخرى ورد فيها اسم هذا الرجل، وكذا بالنسبة للمهملين، وهم من ذكروا دون ذكر أنسابهم، كأن يقال: عن محمد، فيبحث الناقد ليعرف من محمد هذا، ويختلف حال المبهم قبولا وردا، تبعا لطبقته، فالمبهم في طبقة متقدمة كطبقة التابعين، يستأنس بروايته، لأن العدالة غالبة على جيل التابعين، والكذب فيهم قليل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير