تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويهتمون بمعرفة الأحاديث التي تفرد بها كل راو، فيقولون على سبيل المثال: هذا الحديث من مفاريد فلان، أو: لم يرو هذا الحديث عن فلان إلا فلان، أو لم يروه ثقة إلا فلان، أو لم يروه عنه إلا أهل البصرة، أو تفرد به فلان عن أهل البصرة، أو تفرد به الحجازيون عن البصريين ........... الخ، وإلى هذا أشار الحافظ العراقي، رحمه الله، في ألفيته بقوله:

والفرد ما قيدته ******* بثقة أو بلد ذكرته

أو عن فلان نحو قول القائل ******* لم يرو عن بكر إلا وائل

لم يروه ثقة إلا ضمرة ******* لم يروه إلا أهل البصرة

ووصل اهتمام النقاد بهذا الأمر لحد تأليف كتب مخصوصة لبيان الأفراد، أي الأحاديث التي تفرد بها راو أو أهل بلد، ككتاب "الأفراد" للدارقطني رحمه الله.

ويكون حكمهم على الحديث تبعا لحال المتفرد، هل هو في الضبط والإتقان، بمنزلة تسوغ قبول تفرده؟، وما هي طبقته في الرواية، هل هي طبقة متقدمة كطبقة التابعين، تسوغ التفرد، لأن التوسع في الرواية، لم يحدث في عصرهم، كما حدث في عصور من تلاهم، وعليه فلا عجب أن يتفرد راو منهم بحديث ما، أم أنه جاء في طبقة متأخرة يستحيل فيها وقوع التفرد؟

ويهتمون بتحديد جهة خطأ كل راو، فحماد بن سلمة، رحمه الله، على سبيل المثال: يخطأ إذا جمع شيوخه، فروى الحديث عن فلان وفلان وفلان، ويصيب إذا رواه عن كل واحد منهم منفردا، كما أشار إلى ذلك أبو يعلى الخليلي، رحمه الله، في الإرشاد.

ويهتمون برصد التغيرات التي طرأت على حفظ الراوي وضبطه، فقد يكون الراوي في بادئ أمره، ضابطا متقنا، ثم يطرأ على حفظه التغير.

والتغير إما أن يكون خفيفا لا يؤثر، فيقال عن صاحبه بأنه: تغير ولم يختلط.

وقد يكون فاحشا، فيقال عن صاحبه بأنه: اختلط، وعليه لا يقبل ما حدث به بعد الاختلاط، ولا تقبل رواية من حدث عنه بعد اختلاطه، أو لم يعلم أحدث عنه قبل أم بعد الاختلاط.

وقد يحصل له التغير الفاحش عند الموت، فلا يؤثر في روايته، لأنه لا يروي غالبا عند احتضاره.

وقد يختلط الراوي ولكنه لا يحدث بعد اختلاطه، أو يمنعه أهله من الرواية صيانة له، كما هو حال جرير بن حازم، رحمه الله، إن لم تخني الذاكرة.

وليس الأمر على إطلاقه فقد يكون الراوي عن الشيخ المختلط خبيرا بحديثه، فيعلم صوابه من خطئه فتقبل روايته عنه مطلقا، وإن كانت بعد الاختلاط، كما في رواية وكيع عن سعيد بن أبي عروبة، فقد انتقى صحيح حديثه، بعد اختلاطه، والله أعلم.

ويرصدون أيضا، ما يصاحب هذا الاختلاط من تلقين، (وهو أن يلقن الراوي شيخه حديثا ليس من حديثه، على أنه من حديثه ليغرر به، فيدخل عليه أحاديث منكرة)، كما حدث مع سماك بن حرب وعبد الرزاق الصنعاني، رحمهما الله، فيحتاط لذلك، برد ما يستنكر من رواياتهم، وكثيرا ما تكون مما لقنوه، (من التلقين)، من بعض الضعفاء والهلكى، والله أعلم.

على أن الأمر ليس على إطلاقه، فقد يكون الملقن ثقة، فيلجأ الراوي حين كبره وضعف ذاكرته، لملقن أمين، يلقنه الحديث، ليسمعه طلابه، لأن ذاكرته قد ضعفت، كما حكي عن عبد الله بن أبي داود، رحمه الله، حيث كان ابنه يجلس عند أصل المنبر، ليلقن أباه ما يحدث به من أحاديث، والله أعلم.

ولا شك أن رصد هذه الظواهر الدقيقة في حياة كل راو مما يحسب لنقاد الرجال الجهابذة الذين اهتموا بمعرفة أدق التفاصيل في حياة كل راو، والله أعلم.

ويهتمون، أيضا، ببيان، المسالك الخفية التي تدرك بها علل الأحاديث، فيقولون، على سبيل المثال: فلان سلك الجادة، فوهم، أي سلك الطريقة المسلوكة عن شيخ ما، كعادته في الرواية عنه، كمن يروي عن حماد بن سلة عن ثابت البناني عن أنس، فهي جادة مسلوكة، لأن هذا السند سند مشهور تدور عليه روايات كثيرة، لمزيد اختصاص حماد، بزوج أمه، ثابت، كما تقدم، فيأتي الراوي في حديث لم يروه ثابت عن أنس، وإنما رواه عن صحابي آخر، فيجعله عن أنس عملا بالجادة المسلوكة، فيخطأ ويصيب من حاد عن هذه الجادة فأتى بالصحابي الآخر، لأنه يكون في هذه الحالة كمن أتى بأمر جديد، غير معهود، فمعه زيادة علم عن الأول، الذي جاء بالطريق المعهودة، فتقبل زيادته، ويحكم بخطأ الراوي الأول، وهذا من دقة النقاد، رحمهم الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير