تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

، لأن هذه الطريقة يلزم لها أمران:

أولا: تعيين مخارج الأحاديث، التي تدور عليها، في كل بلد، فيلزم معرفة الطريق التي تدور عليها أحاديث أهل البصرة والكوفة والشام ومكة والمدينة ومصر ......... الخ.

وثانيا: المقارنة بين الرواية المعهودة وغير المعهودة لتحديد أيهما يقبل وأيهما يرد، والله أعلم.

ويهتمون بإيراد الشواهد والمتابعات التي تشهد لرواية ما، وهل هي متابعات تامة للراوي على شيخه المباشر، كأن يروي محمد بن سيرين، رحمه الله، حديثا عن أبي هريرة، رضي الله عنه، فيأتي راو آخر، كأبي صالح، ذكوان السمان، رحمه الله، فيرويه عن أبي هريرة، أيضا، فتكون متابعته تامة لمحمد بن سيرين، أو قاصرة، كأن يروي أيوب بن أبي تميمة، رحمه الله، نفس الحديث عن محمد بن سيرين، فيقال بأن أبا صالح ذكوان السمان، بروايته الحديث عن الراوي الأعلى، أبي هريرة، رضي الله عنه، قد تابع أيوبا متابعة قاصرة، لأنه لم يتابعه على شيخه المباشر، محمد بن سيرين وإنما تابعه على شيخه الأعلى، أبي هريرة رضي الله عنه.

ويفرعون على هذه المسألة، تقسيما للروايات، فمنها الصحيح والحسن، الذي يحتج به ابتداء، ومنها الضعيف الذي يصلح للشواهد والمتابعات، فضعفه محتمل، يصلح للاعتبار والاعتضاد، برواية مثله أو أعلى منه، من باب أولى، كأن يكون راويه ثقة ولكنه ضعيف الحفظ، بشرط ألا يكون حفظه سيئا جدا، فمثل هذا قد يقبل حديثه إذا ما اعتضد بمتابع يصلح للاعتضاد.

وأما إذا كان الضعف شديدا، كأن يكون في سند الحديث سيء الحفظ جدا، أو متهم بالكذب، أو يكون المتابع أو الشاهد شاذا، لا يقوى ولا يتقوى به، فإنه يكون لاغيا، فيكون كلا رواية، فكأنه لم يرد أصلا، وإلى هذا أشار الحافظ العراقي، رحمه الله، في ألفيته بقوله:

فإن يقل يحتج بالضعيف ******* فقل إذا كان من الموصوف

رواته بسوء حفظ يجبر ******* بكونه من غير وجه يذكر

وإن يكن لكذب أو شذا ******* أو قوي الضعف فلم يجبر ذا

ولا شك أن هذا التقسيم إلى ضعيف يحتج به وضعيف لا يحتج به، يلزم له إحاطة كبيرة بطرق الأحاديث، ومخارجها، وأحوال رواتها، حتى ينظر أتصلح الطريق للمتابعة أم لا، وهذا مما انفرد به النقاد الأوائل عن المتأخرين، فإن الأولين عندهم من الإحاطة بهذا الأمر، ما ليس عند المتأخرين، فكثير من المتأخرين يحسن الحديث بمجرد ورود طريق أخرى له، فيعتبرها شاهدا، رغم أن الطريق الأخرى قد تكون معللة لا تصلح للتقوية أومتحدة المخرج مع الرواية الأولى، بحيث يحدث التلاقي بين الروايتين في راو معين، فيؤول الأمر لرواية واحدة، فكأنهم يقوون الرواية بنفسها، ومن هنا رد النقاد أحاديث كثيرة لها طرق كثيرة، فقد يرد الحديث من تسعين وجها، فيغتر البعض ويرى أن كثرة الطرق تدل على صحته، بينما يعمل الناقد المطلع فكره في هذه الطرق فيفندها طريقا طريقا ويحكم بضعف هذا الحديث رغم تعدد طرقه.

بل إن المصنف، قد يخرج الرواية المعللة، ثم يتبعها بالرواية الصحيحة، كما هو حال أحمد، رحمه الله، في مسنده، وإن لم يكن أمرا مطردا عنده، وكما هو حال مسلم، رحمه الله، في صحيحه، حيث يورد الروايات الصحيحة العالية الإسناد، في صدر الباب، ثم يتبعها بالروايات النازلة في الإسناد، فيصدر الباب بأعلى إسناد، ثم يتدرج، ثم يتبعها، في بعض أبواب الصحيح بالروايات المتكلم فيها، لينبه على خطئها، فيأتي الناظر، فيظن للوهلة الأولى، أن كل طريق مقو للآخر، وعليه فالحديث صحيح بمجموع طرقه، رغم أن المصنف ما فعل ذلك إلا لينبه على علة في إحدى الطرق، فكيف تعضد بها باقي الطرق، وهي معلولة في ذاتها، لا تصلح لأن تتقوى أو يتقوى بها؟

ولا شك أن هذا الجهد العظيم، في تتبع طرق الأحاديث ومعرفة الصواب بل والخطأ منها، مما يؤكد تفرد هذه الأمة بمزية الإسناد، فلم يأت الأمر من فراغ، والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير