تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعن منهج النقاد في بيان علل الأحاديث، فحدث ولا حرج، فقد قعد الأوائل قواعد راسخة لهذا العلم الجليل، الذي لا يقدر عليه إلا فحول الرجال، فمن إعلال للاتصال بالإرسال، وللرفع، إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بالوقف على صحابي أو تابعي، ومن تقسيم للعلة إلى علة إسناد وعلة متن، وعلة قادحة وعلة غير قادحة، إلى بيان اصطلاحات بعض الأئمة في إطلاق وصف العلة، كما أطلقه الترمذي، رحمه الله، على الحديث المنسوخ، وإن كان الأمر يحتاج إلى استقراء، كما أشار إلى ذلك الشيخ أحمد شاكر، رحمه الله، في "الباعث الحثيث"، فليس الأمر على إطلاقه، وعل الترمذي، رحمه الله، أراد بذلك أنه معلل بمعنى أنه لا يعمل به، وإن كان صحيحا في نفس الأمر، لورود ناسخه، وإلى هذا أشار العراقي، رحمه الله، في الألفية بقوله:

والنسخ سمى الترمذي علة ******* فإن يرد في عمل فاجنح له

أي فمل إلى رأيه، لأن النسخ علة في العمل بالحديث، فلا يشرع التعبد بمنسوخ، سواء أكان من شرعنا أم من شرع من سبقنا، كما قد تقرر في علم الأصول، والله أعلم.

ويهتم النقاد ببيان التدليس وأنواعه، وكيفية التعامل مع المدلسين، فمنهم من يسقط الواسطة بينه وبين شيخه ليعلو في السند، فلا تقبل روايته إلا إذا صرح بالتحديث، ومنهم من يأتي بما هو أشد وأنكى، فيحذف الواسطة الضعيفة بين شيخه وشيخ شيخه، ويصرح بالتحديث عن شيخه، فيغتر الناظر للوهلة الأولى، ويقول: هذا مدلس ولكنه قد صرح بالتحديث، فلا مانع من قبول روايته، مع أنه في الحقيقة قد أسقط، ولكنه لم يسقط واسطة بينه وبين شيخه، وإنما أسقط واسطة، غالبا ما تكون ضعيفة، بين شيخه وشيخ شيخه، وهذا هو مكمن الخطورة في هذا التدليس الذي يعرف بـ: "تدليس التسوية"، لأن إسقاط الضعيف يعني تسوية سند متهالك وتجويده فيقبله الناظر غير البصير، بينما يتوقف الناقد البصير عن قبوله حتى يصرح الراوي بالتحديث بينه وبين شيخه، وبين شيخه وشيخ شيخه، كما في رواية الوليد بن مسلم، رحمه الله، عن الأعمش، رحمه الله، في قول، أو يصرح بالتحديث في كل طبقات السند احتياطا في قول آخر.

ومنهم من يعمد إلى شيخه فيكنيه أو يلقبه بلقب غير معروف، ليوهم أنه راو آخر، لئلا ترد روايته عن هذا الراوي لأنه ضعيف، أو ليوهم كثرة شيوخه، كالخطيب البغدادي، رحمه الله، وهو ما يعرف بـ: "تدليس الشيوخ"، لذا لجأ النقاد إلى معرفة الألقاب والكنى، تفصيلا، بل وأفردوا لها مصنفات خاصة، واهتموا بدراسة الطبقات لمعرفة شيوخ كل راو، وتلاميذه الذين يروون عنه.

وقد يقبل المحدثون عنعنة المدلس، (وهي غير مقبولة إن لم يصرح بالتحديث في طريق أخرى لاحتمال عدم سماعه من شيخه مباشرة، وإنما بواسطة أسقطها لغرض ما، كما تقرر في علم المصطلح)، قد يقبلونها إذا كانت عن شيخ ملازم له، كما في:

رواية الأعمش عن شيوخه الذين لازمهم كأبي صالح ذكوان السمان، وأبي وائل، كما قرر ذلك الذهبي، رحمه الله.

وكما في رواية حميد الطويل عن أنس، رضي الله عنه، فمدار الأمر على القرائن المحتفة بكل مروية.

وكما في رواية الليث بن سعد، رحمه الله، عن أبي الزبير، رحمه الله، فأبو الزبير، رحمه الله، ثقة ولكنه مدلس، ولذا طلب منه الليث أن يعلمه بالأحاديث التي سمعها مباشرة من شيوخه، دون ما رواه بالعنعنة، وعليه فرواية الليث عن أبي الزبير ليست كرواية غيره عنه، فهي مقبولة مطلقا، خلاف رواية غيره عنه فهي مما يلزم النظر فيه إن جاءت معنعنة، لأن أبا الزبير، رحمه الله، كما سبق، مدلس، والله أعلم.

وقد يعل الناقد الحديث بعنعنة مدلس لم يصرح بالتحديث، فيأتي ناقد آخر بطريق أخرى جاء فيها تصريح هذا المعنعن بالتحديث، كما في حديث أعله ابن حزم والألباني، رحمهما الله، مع كونه في صحيح مسلم، وأظنه في أحكام الأضحية، (ولا أدري موضعه في الصحيح بالضبط)، لأن أبا الزبير، رحمه الله، وهو مدلس لم يصرح بالتحديث، فوجد له طريق أخرى صرح فيها أبو الزبير بالتحديث، عند أبي بكر البرقاني، رحمه الله، في مستخرجه، فسقط احتجاج ابن حزم والألباني، رحمهما الله، فنقاد الحديث يهتمون اهتماما بالغا، كما تقدم، بجمع طرق الحديث، والتمييز بين صيغ الأداء، فليس قول

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير