الراوي: حدثنا، (وهي تستخدم للفظ الشيخ)، كقوله: أخبرنا: (وهي تستخدم للفظ الراوي عن الشيخ)، وليس قوله: حدثني، أي منفردا، كحدثنا، أي جماعة، وأخبرنا، من لفظ راو يقرأ على الشيخ مرويه في جماعة، كأخبرني، من لفظ الراوي الذي يقرأ على شيخه منفردا، بل تصل دقة الوصف لأبعد من ذلك، فربما قال الراوي: قرأ على فلان وأنا أسمع، لأنه كان يسمع من وراء حاجز أو جدار، كما أثر ذلك عن النسائي، صاحب السنن، المتوفى سنة 303 هـ، لما منعه الحارث بن مسكين، رحمه الله، من حضور مجلسه، فجلس خلف الجدار يسمع حديثه، فالله دره ما أشد حرصه على الطلب، ولو أهينت نفسه في ذات الله عز وجل.
وربما وصف الراوي حال الشيخ، عند السؤال، وكيف أنه لم يكن هو السائل، وإنما سأله فلان وهو يسمع، كما في رواية مسلم من طريق ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر، وأبو الزبير يسمع: كيف ترى في الرجل طلق امرأته ........ ، فأبو الزبير الراوي يصور الرواية بمنتهى الدقة، وكأن سامعها، يحضر معه مجلس ابن عمر، رضي الله عنهما، فيقول بأن عبد الرحمن بن أيمن سأل ابن عمر، رضي الله عنهما، عن كذا وكذا وهو يسمع تحاورهما.
وليس قولهم: "أنبأنا"، أو "أنبأني"، كقولهم: "نبئت" بالبناء للمجهول، فالأولى تدل على الاتصال، خلاف الثانية، فالراوي يقول: نبئت أن فلانا قال كذا وكذا، فمن نبأك يا ترى بهذا الخبر عن ذلك الشيخ الذي تروي عنه؟.
ويهتم نقاد الحديث بصيغ الرواية تضعيفا وتصحيحا، فيرون ما ضعف أو شك في صحته بصيغة تدل على التضعيف كـ: "يروى"، بالبناء للمجهول، ويرون ما صح عندهم بصيغة تدل على الجزم كـ "قال"، أو "حدثنا" ...... الخ، ويعدون رواية ما ثبتت صحته بصيغة تدل على التمريض، أمرا مستنكرا، لأنه قد يحمل بعض السامعين على الشك في صحة الأحاديث الثابتة، الصحيحة في نفس الأمر.
وإلى هذا أشار العراقي، رحمه الله، في ألفيته بقوله:
وإن ترد نقلا لوه أو لما ******* يشك فيه لا باسنادهما
فائت بتمريض كـ "يروى" واجزم ******* بنقل ما صح كـ: "قال" فاعلم.
ويهتم النقاد ذلك، بصيغ التحديث التي تشعر بوصف ما، يبين حال الراوي عند سماعه الحديث من شيخه، كأن يكون مشغولا حين الرواية بالنسخ، أي كتابة ما يمليه الشيخ من أحاديث، فمن العلماء من عد هذا قادحا في السماع، وعليه فإن الراوي لا يقول: حدثنا فلان، وإنما يقول: حضرت مجلس فلان، لأنه حضر بجسده وانشغل فكره بالنسخ، وليس الأمر على إطلاقه، فالدارقطني، رحمه الله، على سبيل المثال، قصة طريفة، في هذا الشأن، تبين مدى ضبطه لأحاديث شيوخه، رغم أنه كان يكتب والشيخ يحدث، ولكنه جمع الأمرين معا، الحفظ والنسخ وليس هذا لكل أحد، والله أعلم.
وكذا الطفل الصغير، فإنه لا يحكم له بالسماع إلا إذا كان مميزا، ولذا تجد الراوي يقول: حضرت مجلس فلان، ولا يقول: سمعت فلانا، لأنه حضر مجلسه في سن صغيرة، فلم يسمع منه حقيقة، وإنما حضر بجسده دون عقله، وإلى هذا المعنى أشار الحافظ العراقي، رحمه الله، في ألفيته بقوله:
وقيل من بين الحمار والبقر ******* فرق سامع ومن لا فحضر
ومعنى البيت: أن من لديه القدرة على التفريق بين الحمار والبقر، قد حصل له نوع تمييز يؤهله للسماع الحقيقي من الشيخ، ومن لم يفرق بينهما، فلا تمييز معتبر له، فيقال عنه بأنه: حضر مجلس فلان، ولا يقال عنه إنه حدث عن فلان، وهذا قول الحمال، رحمه الله، ولا شك أن هذا مما يتطلب إحاطة كبيرة بتواريخ الرجال ومعرفة أعمارهم عند السماع، وأعمار شيوخهم، ومتى ولدوا ومتى ماتوا ومتى بدءوا الطلب ...... الخ، والله أعلم.
ويهتم النقاد، أيضا، برواية الحديث عن شيخ ما، كما هي، وإن كانت خاطئة في نفس الأمر، والصواب خلافها، ولكن المحفوظ عن هذا الشيخ هو الخطأ، فإن عدله معدل، فقد أخطأ على الشيخ حيث روى ما أخطأ فيه الشيخ على جهة الصواب لا الخطأ، فأي دقة تعدل هذه الدقة؟!!!.
¥