تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويقولون: كل ما رواه أحمد، رحمه الله، عن سفيان، مباشرة، فإنما هو عن سفيان بن عيينة، رحمه الله، فهو شيخ مباشر له، وكل ما رواه عن سفيان بواسطة، فهو سفيان الثوري، رحمه الله، لأنه من شيوخ شيوخه.

ويقولون: كل ما يرويه وكيع عن سفيان، فهو: سفيان الثوري، رحمه الله، كما نص على ذلك الذهبي، رحمه الله، في السير.

ويهتمون، أيضا، باثبات اللقي والسماع من الراوي لشيخه، فيقولون على سبيل المثال:

رأى فلان فلانا ولكنه لم يسمع منه.

كما قيل في رواية عطاء عن ابن عمر رضي الله عنهما، فعطاء، رحمه الله، لقي ابن عمر، ولكنه لم يسمع منه، كما حكى العلائي، رحمه الله، في جامع التحصيل.

والأعمش، رحمه الله، رأى أنسا، رضي الله عنه، وهو يخضب، ورآه وهو يصلي ولم يسمع منه شيئا.

ويقولون أيضا: لقي فلان فلانا وتحدثا، ولكنه لم يسمع منه شيئا من الحديث، بل كان حديثهم في الفقه أو في أي أمر آخر سوى الرواية.

ويقولون: لقي فلان فلانا وسمع منه، ولكنه لم يسمع منه هذا الحديث بعينه، فروايته لهذا الحديث بعينه مرسلة.

ويهتمون بتمحيص الروايات عن كل ما ليس منها، فيهتمون بتمييز المدرجات في الأسانيد والمتون، فيقولون هذا اللفظ، من قول فلان الراوي، وليس من أصل الحديث، كما في قول الزهري، رحمه الله، في حديث بدء الوحي: (والتحنث هو التعبد)، فهو من كلام الزهري، رحمه الله، ليفسر به معنى التحنث، ولهم في الإدراج مباحث يضيق المقام عن ذكرها، ولهم في تتبعه نوادر يحار معها المرء من دقتهم في تتبع الأخطاء، فنجدهم على سبيل المثال، يمثلون للإدراج غير المتعمد، أو الوضع غير المتعمد، (أي وضع حديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير تعمد لذلك)، يمثلون له بحادثة شريك بن عبد الله النخعي، رحمه الله، وثابت بن موسى الزاهد، لما دخل عليه ثابت، وكان زاهدا عابدا، مع غفلة وضعف في ضبطه، فلما رأى عليه أمارات الصلاح، أحب أن يداعبه فقال له: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"، وكان قد انتهى من إملاء سند لرواية، ثم قال هذا القول بعده مباشرة، لما دخل ثابت، فظن ثابت، رحمه الله، أن هذا الكلام هو متن ذلك السند، فرواه عن شريك، مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والحق أنه موقوف على شريك لأنه من كلامه، وهذه دقة متناهية في رصد تاريخ كل مروية، وما احتف بها من قرائن لئلا يدخل في السنة ما ليس منها، والله أعلم.

ومن حادثة شريك وثابت، يتبين لنا أنه ليس كل ثقة في نفسه، يقبل حديثه، فقد يكون ثقة في نفسه، ضعيفا في الرواية، وعلى هذا النهج سار النقاد الأوائل، فعنوا بتمييز حال الراوي في دينه وعبادته، وحاله في روايته، وعليه يمكن تفسير التناقض، الذي يبدوا للوهلة الأولى، في أحكامهم، فتجد، على سبيل المثال، أبا حاتم، رحمه الله، وهو من أئمة هذا الفن، على تشدد فيه يقول في راو ما، كالربيع بن صبيح أو الحارث بن عبيد: "ثقة في نفسه متكلم في حفظه"، أو "ثقة يكتب حديثه ولا يحتج به"، أو "ثقة لا يحتج بحديثه" ........ الخ، فالنقاد لا يحابون أحدا، كائنا من كان، فعلي بن المديني، رحمه الله، يضعف أباه، وأبو داود، رحمه الله، يتهم ابنه، على تفصيل ليس هذا موضعه، فلا مداهنة في دين الله، فرحم الله أئمة الحديث وأجزل لهم المثوبة.

وتراهم يهتمون بعقد المقارنة بين الرواة من حيث العدالة والضبط، فأحمد، رحمه الله، على سبيل المثال، يقول عن شيخه هشيم بن بشير، رحمه الله، وهو ثقة مدلس من رجال الصحيح، يقول عنه: ثقة، في موضع، وفي موضع آخر يقول عنه: شيخ، والشيخ أدنى مرتبة من الثقة، فيظن الناظر لأول وهلة، أن هذا اضطراب في قول أحمد، رحمه الله، في شيخه، والواقع خلاف ذلك، فأحمد، رحمه الله، يوثق هشيما ويحتج به، ولكنه لا يعتبره في أعلى مراتب الاحتجاج، فإذا ما قورن، على سبيل المثال، بجبل من جبال الحفظ، كشعبة، رحمه الله، فإنه لا يوصف بأنه ثقة، بمعنى أعلى درجات الثقة، وإنما يوصف بوصف يدل على التوثيق ولكنه أدنى من التوثيق المطلق، كشيخ وصدوق ....... الخ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير