تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهو لا يقبل إلا مرسل كبار التابعين، واشتهر عنه إطلاق القول بقبول مراسيل سعيد بن المسيب، رحمه الله، لأنها فتشت فوجدت صحاحا، ولكن هذا القول كما ذكر البيهقي، رحمه الله، ليس على إطلاقه، بل يخضع للقرائن والمرجحات، فقد ثبت أن الشافعي، رحمه الله، قبل مراسيلا لغير سعيد، رحمه الله، لما ترجح عنده صحتها، ورد بعض مراسيله لما ترجح عنده إعلالها، فالمسألة كما سبق، تخضع للقرائن والمرجحات، وليست قواعد مطردة يمكن لأي أحد أن يطبقها مباشرة، فليس ذلك إلا للأئمة النقاد، وغالبهم من المتقدمين، وهذا مما يدل على علو منزلتهم في نقد الروايات سندا ومتنا.

وهو لا يقبل إلا مرسل الثقة، لأنه لا يسقط إلا ثقة مثله، وليس الأمر، أيضا، على إطلاقه، وإنما يخضع للقرائن والمرجحات، فقد ثبت أن بعض الثقات رووا عن بعض الضعفاء، فروى مالك، رحمه الله، على سبيل المثال، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيف، بل إن الشافعي نفسه روى عن بعض الضعفاء، ولا يلزم من ذلك قدح فيهما، لأن العالم في مرحلة الطلب يسمع من كل المشايخ، فإذا تصدر فإنه لا يحدث إلا بما ثبتت عنده صحته، وإن كان غير صحيح في نفس الأمر.

وهو لا يقبل إلا ما وافق فيه الثقة المرسل بقية الثقات، وإن خالفهم فبالنقص لا بالزيادة، لأن هذا النقص يدل على تحريه، فهو لا يستجيز نقل أي زيادة إن شك في صحتها، وإنما ينقل ما هو صحيح عنده فقط.

ومع هذا كله فإنه لا يقبل المرسل إلا إن اعتضد بـ:

مرسل آخر، بحيث لا يتحد مخرجهما، فلا يكون شيخ المرسل، بكسر السين، الأول هو نفسه شيخ المرسل الثاني، لأن هذا يعني أن هذه الرواية رواية واحدة، فكيف تقوى الرواية بنفسها، ولا يحدث الإلتقاء بينهما في أي طبقة تعلو طبقة الشيخ المباشر، كشيخ الشيخ، أو ما علاه، لأن هذا يعني أيضا اتحاد المخرج، ويرد الطريقين إلى طريق واحد، فكيف يقوى طريق بنفسه، ولا شك أن هذا عمل يتطلب إحاطة بطرق الروايات ومخارجها حتى يسهل على الناقد تمييز الطريق الصالحة للاعتضاد، فليس كل طريق يصلح للاعتضاد، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فمن الطرق ما يصلح، ومنها ما يزيد الحديث وهنا على وهن، كأن يكون في سندها كذاب أو متهم بالكذب أو شديد الضعف، فأنى لغير النقاد الغوص في هذه المعاني الدقيقة؟!!!!!.

أو اعتضد بحديث آخر مسند إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن قبوله، في هذه الحالة، يكون من باب أولى، فإنه إن اعتضد بالأدنى، (وهو المرسل)، فاعتضاده بالأعلى، (وهو المسند)، أولى.

أو اعتضد بموقوف على صحابي، فلأقوال الصحابة، رضوان الله عليهم، من الاعتبار، ما ليس لغيرها.

او اعتضد بإجماع أهل العلم على العمل بما دل عليه، والإجماع من أصول الاستدلال المجمع عليها، بل إن البعض قدمه على نص الكتاب والسنة، لأنه قطعي الدلالة، بينما نصوص الكتاب، وإن كانت قطعية الثبوت إلا أن دلالتها قد تكون ظنية، وكذا السنة، غالبها ظني الثبوت، وما قطع بصحة نقله منها، منه ما هو ظني الدلالة، وإن كان الأمر يرجع أولا وآخرا إلى النص الشرعي، لأن هذا الإجماع لابد له من مستند من نص كتاب أو سنة، فتقديمه، في حقيقة الأمر، إنما هو تقديم لمستنده، والله أعلم.

وليس كل مرسل مقبولا، فمراسيل صغار التابعين كأبي العالية والزهري، رحمهما الله، مردودة، لأن الغالب عليها أنها شديدة الضعف، والله أعلم.

والغرض من بسط هذه المسألة، بيان تمكن النقاد، رحمهم الله، من أدوات الاجتهاد والترجيح في هذا الشأن، فإن شروط قبول المرسل لا يجيد تطبيقها إلا العالم بالقرائن والمرجحات، المحيط بطرق الروايات ومخارجها، وليس هذا لغير الناقد، كما تقدم، والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير