تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومنها أن يكونوا أتوا بلفظ مفهم لذلك فاختصره من بعدهم لثقة جميعهم ولعل قول كثير من التابعين عمن يروون عنه من الصحابة (ينمي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أو (يبلغ به النبي عليه السلام) أو (يرفعه)، أو ما أشبه هذا من الألفاظ: عبارة عن ذلك.

وأما من سوى الصحابة فإنما فعل ذلك من فعله منهم بقرينة مفهمة للإرسال في ظنه وإلا عُدَّ مدلساً). انتهى.

انتفاء معنى التدليس

عن بعض أنواع التجوز بصيغة الأداء الصريحة في السماع

يظهر أنه ليس من التدليس استعمال الصيغة الصريحة في السماع بغير معناها الدال على السماع، إذا كانت القرائن كافية لانتفاء السماع؛ ولكن ابن حجر سمى ذلك تدليساً إذ قال في (النكت): (لأنه قد يدلس الصيغة فيرتكب المجاز، كما يقول مثلاً: (حدثنا)، وينوي حدث قومنا أو أهل قريتنا، ونحو ذلك)، إلى آخر كلامه.

وهذه طائفة - أو أمثلة - مما ورد في أحاديث بعض الثقات من استعمال صيغة صريحة في السماع في ما لم يسمعه، تجوزاً - وهو الأرجح - أو تدليساً - وهو الأضعف احتمالاً -:

المثال الأول: حديث مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا وإياكم ندعى بني عبد مناف---)، الحديث.

وأراد بذلك: أنه صلى الله عليه وسلم قال لقومه، وأما هو فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم.

المثال الثاني: قال طاووس: (قدم علينا معاذ بن جبل رضي الله عنه اليمن). وطاووس لم يدرك معاذاً رضي الله عنه، وإنما أراد: قدم بلدنا.

المثال الثالث: قال الحسن: (خطبنا عتبة بن غزوان)، يريد أنه خطب أهل البصرة، والحسن لم يكن بالبصرة لما خطب عتبة. ذكر هذه الأمثلة الثلاثة الطحاوي كما في النكت لابن حجر.

الأمثلة الرابع والخامس والسادس والسابع والثامن: قال ابن أبي حاتم في (المراسيل) (97): حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال: قال علي بن المديني: الحسن لم يسمع من ابن عباس وما رآه قط؛ كان الحسن بالمدينة أيام كان ابن عباس بالبصرة، استعمله عليها علي رضي الله عنهما؛ وخرج إلى صفين.

وقال لي في حديث الحسن (خطبنا ابن عباس بالبصرة): إنما هو كقول ثابت: (قدم علينا عمران بن حصين) (7)، ومثل قول مجاهد: (قدم علينا علي)؛ وكقول الحسن أن سراقة بن مالك بن جعشم حدثهم؛ وكقوله (غزا بنا مجاشع بن مسعود).

وقال ابن أبي حاتم في (المراسيل) (100): سمعت أبي رحمه الله يقول: الحسن لم يسمع من ابن عباس؛ وقوله (خطبنا ابن عباس) يعني خطب أهل البصرة.

المثال التاسع: قال ابن أبي حاتم في (المراسيل) (103): حدثنا صالح بن أحمد قال: قال أبي: قال بعضهم عن الحسن (حدثنا أبو هريرة)؛ قال ابن أبي حاتم (8): إنكاراً عليه أنه لم يسمع من أبي هريرة.

وقال في (المراسيل) أيضاً (110): (سمعت أبا زرعة يقول: لم يسمع الحسن من أبي هريرة، ولم يره؛ فقيل له: فمن قال (حدثنا أبو هريرة)؟ قال: يخطىء.

المثال العاشر: قول ثابت البناني: خطبنا ابن عباس رضي الله عنهما؛ ذكر هذا المثال ابن حجر في (النكت على ابن الصلاح).

المثال الحادي عشر: قال في (المراسيل) (272): سمعت أبي يقول: أبو البختري الطائي لم يلق سلمان؛ وأما قول أبي البختري أنهم حاصروا نهاوند، يعني أن المسلمين حاصروا (9).

المثال الثاني عشر: قال في (المراسيل) (197): ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين وسألته، قلت: خليد العصري لقي سلمان؟ قال: لا؛ قلت: إنه يقول (لما ورد علينا)! قال: يعني البصرة.

انتهت الأمثلة.

ولكن خالف في بعض ما تقدم عبد الله بن يوسف الجديع فقال في (تحرير علوم الحديث) (1/ 134):

(قول الراوي: (حدثنا فلان) لا يجوز تأوله على معنى (حدث أهل بلدنا)، فهذا تكلف، ولا شاهد له في الواقع، وذُكر له مثال عن الحسن البصري أنه قال: (حدثنا أبو هريرة)، ولا يصح، إنما هو غلط من بعض الرواة عن الحسن، حسبوه سمع منه، فأبدلوا (عن) بـ (حدثنا) (10).

نعم، توسع بعض الرواة في صيغة (خطبنا فلان)، وعنوا خطب أهل بلدهم، ونحوها؛ أما التحديث والإخبار الصريحين في أمر الرواية فلا).

انتفاء معنى التدليس

عن تعليق المصنفين غير المدلسين الحديث عن شيوخهم

إذا روى مصنف كتاب حديثاً فحذف شيخه فيه وكان شيخ المحذوف من شيوخ المصنف أيضاً ولكن لم يسمع منه هذا الحديث وذكر صيغة محتملة فهل يكون هذا تعليقاً لا تدليس فيه أو يكون تدليساً؟ قال ابن حجر في (نزهة النظر): (الصحيح في هذا التفصيل، فإن عرف بالنص أو الاستقراء أن فاعل ذلك مدلس قضي به وإلا فتعليق). انتهى.

قلت: حاصل هذا الجواب أنه لا يعد بذاته تدليساً ولا يثبت وصف المصنف بالتدليس بمجرد هذا الصنيع.

ومما قد يكون هو القول الفصل في هذا الباب هو أنه إن كان مكثراً من التعليق في كتابه وأن أغلب تلك التعليقات كانت ظاهرة الانقطاع حمل القليل - وهو التعليق إلى شيوخه - على الكثير، فإن الحكم للغالب، ولم يعد ذلك تدليساً؛ وإما إن قلت تعاليقه وكان أكثرها عن شيوخه فهو تدليس. والله أعلم.


هوامش:
(7) أورده ابن حجر في (النكت) بلفظ (خطبنا عمران بن حصين).
(8) في بيان صيغة كلام أحمد ومعناه.
(9) وليس هو معهم يومئذ.
(10) وانظر (جامع التحصيل) للعلائي (ص133).
"
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير