ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[10 - 03 - 06, 10:50 م]ـ
الفرق
بين تدليس الإسناد والإرسال الخفي
المذاهب هنا ثلاثة:
المذهب الأول
أن التدليس هو ما تقدم؛ وأما الإرسال الخفي فهو رواية الراوي بالصيغة المحتملة عمن عاصره وليس من شيوخه.
قال ابن رشيد في (السنن الأبين): وأما المعاصر غير الملاقي إذا أطلق (عن) فالظاهر أنه لا يعد مدلساً، بل هو أبعد عن التدليس لأنه لم يعرف له لقاء ولا سماع بخلاف من علم له لقاء أو سماع).
وقال ابن حجر في (طبقات المدلسين) (ص16) في الإرسال الخفي: (ومنهم من ألحقه بالتدليس، والأولى التفرقة لتتميز الأنواع).
المذهب الثاني
أنه لا فرق بينهما، ونُسبَ هذا، أعني عدم التفريق، إلى المتقدمين من أهل العلم.
ألف الشريف حاتم بن عارف العوني كتاباً أسماه (المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس) قام فيه بدراسة مفصلة لهذا الموضوع؛ ثم إنه لخص أهم نتائجه (1/ 231 - 232) فذكرها بقوله:
أولاً: أن المرسل الخفي ليس مصطلحاً تداوله المحدثون كباقي مصطلحات هذا العلم. وإنما هو اسم أطلقه ابن الصلاح لأحد فصول كتابه، أخذاً من كتاب صنفه فيه الخطيب البغدادي بعنوان (التفصيل لمبهم المراسيل).
ثانياً: أن (المرسل الخفي) إن أغضينا الطرْف عن كونه ليس مصطلحاً، أو قبلناه لا كمصطلح ولكن عنواناً لبعض الانقطاعات فإنه: كل انقطاع خفي، هذا هو (الإرسال الخفي) الذي صنف فيه الخطيب، وأفرده ابن الصلاح في كتابه بنوع خاص، ومن تبعهما.
ثالثاً: أن (رواية الراوي عمن عاصره ولم يسمع منه): (تدليس) من (تدليس الإسناد) هذا هو المصطلح الذي مضى عليه أهلُ العلم) (1).
انتهى كلام الشيخ الدكتور حاتم حفظه الله، وأرى أن في بعضه نظراً؛ فقد روى مئات الرواة آلاف من الروايات التي أرسلوها عمن عاصروهم ولم يدخلهم العلماء في المدلسين، لهذا الأمر، أعني لعدم الإيهام أو عدم تعمده وارتضائه.
ومن تتبع كتب المراسيل والعلل والتخريج والتواريخ كتاريخ البخاري والمطولات من كتب الجرح والتعديل كتهذيب الكمال: علم صحة ذلك.
ولقد ثبت أن أبا زرعة وأبا حاتم كانا لا يسميان الإرسال الخفي تدليساً. انظر (تهذيب التهذيب) (5/ 224 - 225و5/ 226) و (التنكيل) (2/ 89).
المذهب الثالث
التفرقة بينهما بطريقة أخرى، وهي طريقة التفصيل.
وذلك أن الإرسال الخفي يعد تدليساً، أعني يوصف فاعله بأنه مدلس، وتعدُّ عنعنته عن شيوخه عنعنة مدلس، إذا كان في ذلك الإرسال يتعمد إيهام السماع، أو لا يجتنب الإيهام ولا يحترز منه، ويرتضيه مع علمه بوقوعه، أو بقوة احتمال وقوعه.
ومن أسباب إيهام الإرسال الخفي السماع كثرته عن راو بعينه، من غير بيان لحقيقة الحال، أصلاً، أعني كثرة رواية ذلك المرسِل عمن عاصره أو لقيه ولم يسمع منه شيئاً، من غير أن يبين أنه لم يسمع منه (2).
ولعله مما يطابق هذا المذهب أو يقاربه قول ابن حجر في (النزهة): (والفرق بين المدلَّس والمرسَل الخفي دقيق--- وهو أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، فأما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي). انتهى.
وهذا المذهب يصلح للجمع بين ما قد يظهر من تناقض بين عبارات بعض الأئمة في تعريف التدليس، كالخطيب في (الكفاية)؛ وانظر ما كتبه الدكتور خالد منصور الدريس في كتابه (موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع) (ص338 - 345) (3).
***************************************
وأخيراً فالذي يظهر أن جمهور العلماء بالحديث قدماء ومتأخرين كانوا يفرقون بين الإرسال الخفي والتدليس، وإن كان المتأخرون يسمون الإرسال الخفي بهذا الاسم، والمتقدمون يسمونه (الإرسال) فقط.
ولكن كان طائفة من النقاد كابن حبان والخليلي يدخلون نوع الإرسال الخفي تحت جنس التدليس.
ولكن هل كان هؤلاء يشترطون في تسميته تدليساً تعمدَ فاعلِه الإيهام أم لا؟ هذا ما ينبغي أن يحرر.
¥