تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وسكوت الناقد عن وصف الراوي بالتدليس أقلُّ دلالةً - بكثير - من سكوته عن تجريحه أو تعديله؛ فإنهم لا يكادون يسكتون في كتب الجرح والتعديل عن بيان حاله في الرواية من جهة نفسه، أعني صفته من حيث العدالة والضبط، ولكنهم كثيراً ما يسكتون عن بيان حال أسانيده من حيث الاتصال والانقطاع، ومن ذلك إرساله وتدليسه؛ ولكن إذا لم يذكروه بالتدليس في كتبهم التي ألفوها في التدليس والمراسيل ولا ذكروه في كتب العلل ولا أعلوا حديثاً بعنعنته؛ فمعنى هذا أنه غير مدلس عند صاحب هذا الكتاب.

ولكن من النقاد من هو دون غيره في العلم والتمييز، فإذا انفرد مثله بوصف أحد الثقات المشاهير بالتدليس، فيحمل كلامه على تدليس الأسماء، أو الإرسال الخفي، أو يكون واهماً في تلك الدعوى، أو مقلداً لمن لا يصح الاعتماد عليه في مثل هذه المسائل، أو غير ذلك من الوجوه؛ ومثال ذلك ما يقع من ابن سعد أحياناً.

(7)

معنى قلة الواصفين للراوي بالتدليس

من لم يصفه بالتدليس إلا الواحد والاثنان من النقاد مع كثرة من بيَّن حاله في الرواية منهم، فإن ذلك دال على قلة تدليسه؛ ولكن ثَمَّ فرقٌ بين قوة ثبوت تدليس من وصفه بالتدليس الأئمةُ العارفون به، وتدليس من وصفه به غيرهم.

(8)

إقرار الراوي بتدليس حديثإذا أقرَّ الراوي بتدليسه لحديث يرويه فهو حديث مدلَّس، كما هو بيِّن؛ ويقوم مقامه في الاعتراف شيخه الذي عنه روى الحديث، أو أحد أقرانه ممن حضر مجلس السماع؛ أو من خالطه من الأئمة النقاد؛ أو غيرهم من المطلعين على شأنه في ذلك الحديث.

(9)

كيف يحصل الإقرار بالتدليسالاعتراف بالتدليس إما أن يكون إقراراً من الراوي بتدليس حديث بعينه، وهذا يكفي لإدخاله في جملة المدلسين، أو يكون إقراراً بوقوع التدليس منه في الجملة، من غير أن يذكر حديثاً دلس فيه، بعينه، وقد يقول كلاماً يُفهم منه أنه يدلس.

وفيما يلي تلخيص لأهم طرق إقرار الراوي بأنه يتعاطى التدليس، أو تصريحه بما يُفهَم منه أنه كذلك:

الطريقة الأولى: أن يُسأل - في حال التحديث بلا تأخير - عن رواية عنعن فيها، فيخبر السائلَ أنه دلَّسها أو أنه لم يسمعها ممن رواها عنه.

ومثال هذا ما كان يفعله شعبة، كثيراً، مع شيخيه قتادة وأبي إسحاق.

الطريقة الثانية: أن يسأل بعد مجلس الأداء بمدة، قد تطول أو تقصر، عن سماعه من شيخ معين إما سؤالاً مقيداً بشيء معين، أو سؤالاً مطلقاً، فيجيب بأنه لم يسمع ذلك الشيء منه، أو يجيب بأنه لم يسمع منه شيئاً أصلاً.

ومثال هذا ما جاء عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي؛ قال الليث: (قدمت على أبي الزبير فدفع إليَّ كتابين وانقلبت بهما، ثم قلت في نفسي: لو عاودته فسألته أسمع هذا كله من جابر؟ فقال: منه ما سمعتُ، ومنه ما حُدثناه عنه)؛ فهذا يعني أنه مدلِّس.

الطريقة الثالثة: أن يقول ما يُعرَف به أنه مدلس، قال أبو بكر بن عياش: (قال لي حبيب بن أبي ثابت: لو أنَّ رجلاً حدثني عنك ما باليتُ أن أرويه عنك)؛ فهذا كافٍ في نسبة حبيب إلى التدليس ووصفهِ به.

(10)

وسائل اكتشاف التدليس في الحديث

إذا وُجد في إسناد الحديث عنعنة راو مدلس، فالحديث يحتمل أن يكون مدلَّساً، ويحتمل أن يكون غير مدلَِّس؛ فإن نصّ العلماء العارفون على أنه مدلَّس فذاك؛ وإلّأ احتاج الباحث إلى دراسة القضية.

وحينئذ فإنَّ أهم السبل المؤدية إلى اكتشاف التدليس في الروايات هي جمع الطرق والأسانيد والتبحر في نقدها ومقارنتها ببعضها، وجمع ما يتعلق بالمسألة من أقوال النقاد والمؤرخين، ولا سيما علماء العلل منهم، وملاحظة القرائن والاحتمالات، بتدقيق النظر وإطالة التأمل.

"

"

ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[12 - 03 - 06, 05:45 م]ـ

- 11 -

الشواهد والمتابعات القاصرة – بل والتامة أيضاً - للمدلس في حديث يرويه معنعناً لا تكفي لدفع تهمة التدليس عنه في ذلك الحديث، ولو كانت تلك المتابعات أو الشواهد صحيحة؛ لأن الشواهد الصحيحة إنما تؤكد حفظ الراوي للمتن، أو لمعناه، وللقطعة المشتركة من السند، وتؤكد إتيانه بذلك على وجهه؛ وأما ما دون ذلك من السند، ومنه عنعنته، فهي باقية على حكمها الأول.

ولكن إذا توبع الراوي عن ذلك المدلس - لا المدلِّس نفسه - متابعةً تامة مع المخالفة في صيغة أداء المدلس، بأن يجعلها أحدهما صريحة في السماع ويجعلها الآخر محتملة، فتلك مسألة أخرى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير