فقلت له: واثلة بن الأسقع؟ فقال: من؟ قلت: حدثنا أبو صالح كاتب الليث: حدثني معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، قال: دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة بن الأسقع. فقلت: كأنه أومأ برأسه، كأنه قبل ذلك) اهـ.
فكان حكم أبي مسهر بإثبات السماع ونفيه ينبني على حال إسناد الرواية التي جاء فيها ذكر السماع، وأقره على ذلك أبو حاتم وأقرهما عليه ابن أبي حاتم.
- 25 - اختلاف حكم تصريح المدلس الضعيف، بالسماع، عن حكم تصريح المدلس الثقة
من شروط قبول عنعنة وحملها على الاتصال أن يكون المدلس ثقة، لا ضعيفاً؛ فإن المدلس الضعيف إذا روى عن شيخ له وصرح بسماعه منه، فإنه يحتمل أن يكون مخطئاً في ذلك التصريح، وأن الواقع أنه إنما أخذ ذلك الحديث عن ذلك الشيخ بواسطة، ثم أسقطها وهماً، لا تدليساً ولذلك صرح بالسماع بناء على ما توهمه وإلا عُدَّ كاذباً.
ولا غرابة في هذا فالضعيف يخطئ بأكثر من هذا؛ بل لا يُستبعد أنه لم يتحمل ذلك الحديث من طريق هذا الشيخ أصلاً، لا بواسطة ولا بدونها؛ وإنما دخل عليه حديث في حديث.
- 26 - الاحتراز من تدليس صيغة الأداء، أي تدليس نوع التحمل، من قِبل مدلِّس الإسناد المصرِّح بالسماع
لحمل عنعنة المدلس الثقة على الاتصال لا بد من احتراز أن يكون ذلك المصرح بالسماع ممن له في بعض ألفاظ السماع اصطلاح خاص ينافي الاتصال، كأن يكون ممن يرى جواز إطلاق لفظ التحديث في الإجازة أو الوجادة، أو ممن يرى التسامح في هذه الألفاظ، بإطلاقها في موضع السماع وغيره، كما ذكر الإمام أبو بكر الإسماعيلي أن المصريين والشاميين يتسامحون في قولهم: (حدثنا) من غير صحة السماع، منهم: يحيى بن أيوب المصري؛ ونقل عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه أنه قال: كان سجية في جرير بن حازم، يقول: (حدثنا الحسن، قال: حدثنا عمرو بن تغلب)؛ وأبو الأشهب يقول: (عن الحسن قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن تغلب).
قال الحافظ ابن رجب: (يريد أن قول جرير بن حازم: "حدثنا الحسن حدثنا عمرو بن تغلب" كانت عادة له لا يرجع فيها إلى تحقيق).
وقد ذكر أبو حاتم نحو هذا في أصحاب بقية بن الوليد، أنهم يَرْوُون عنه عن شيوخه ويصرحون بتحديثه عنهم، من غير سماع له منهم.
وكذلك قال يحيى بن سعيد القطان في فِطْر بن خليفة: أنه كان يقول: (حدثنا فلان بحديث)، ثم يدخل بينه وبينه رجلاً آخر، كان ذلك سجيه منه؛ ذكره العقيلي في (الضعفاء).
راجع (الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات) للشيخ طارق بن عوض الله.
- 27 - الاحتراز من أوهام المدلس الثقة في التصريح بالسماع
ليس كل ما يرويه المدلِّس الثقة مصرحاً فيه بالسماع يقطع فيه بأنه قد سمعه ممن فوقه، ولكن هذا – أي الحكم بالسماع في مثل هذه الحالة – هو الأصل، والأصل قد يًخرَج عنه أحياناً، وذلك عندما توجد القرينة المقتضية للخروج؛ فهنا قد يرى الناقد من علماء العلل وجهابذة الحديث أنه قد وقع وهم من ذلك المدلس أو - ممن دونه من الثقات - في تصريح المدلس بالسماع، فيحكمون بانقطاعه، وأن صواب الرواية أن تكون بالعنعنة وما كان في معناها.
ولأئمة الحديث في إدراك ذلك طرق متعددة، هي عين طرقهم في إدراك علة الحديث الذي ظاهره الصحة، بل هذا الأمر هو بعض موضوعات علم العلل.
فمن تلك الطرق مخالفة الأوثق، أو الثقات الأكثر عدداً، أو مخالفة اتفاق الأئمة أو ما ثبت بالتاريخ أو غير ذلك.
روى جماعة عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً: (ليس على المنتهب قطع)، فلم يذكروا سماع ابن جريج من أبي الزبير، بينما ذكره اثنان، وهما:
أبو عاصم؛ أخرج حديثه الدارمي.
وابن المبارك؛ أخرج حديثه النسائي في (الكبرى) من طريق محمد بن حاتم عن سويد بن نصر عنه.
وقد وهَّم الأئمة هذه الرواية التي فيها ذكر التصريح بالسماع، ورأوا أنه غلط. فقال أبو داود: (هذا الحديث؛ لم يسمعه ابن جريج من أبي الزبير؛ وبلغني عن أحمد بن حنبل أنه قال: إنما سمعه ابن جريج من ياسين الزيات).
وقال مثل قول أحمد أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان والنسائي والخليلي، ويدخل فيهم أيضاً أبو داود فإنه هو الذي نقل كلام أحمد وأقره.
- 28 - تفصيل في اختلاف أحكام المدلسين باختلاف أحوالهم
¥