ـ[صالح بن علي]ــــــــ[14 - 03 - 06, 10:02 م]ـ
جزاك الله خير
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[15 - 03 - 06, 02:13 م]ـ
"
وجزاك.
**************************
هذه الحلقة الأخيرة - حالياً - من هذا الموضوع، أسأل الله أن يتقبله وينفع به، وأعتذر من الإطالة ...
**************************
- 29 -
طريقة علماء العلل في الحكم على عنعنة المدلس الأصل فيها التفصيل؛ فهم في كثير من الأحيان يميزون ما سمعه الراوي من شيخ له بعينه عما لم يسمعه منه، فيحكمون على حديثه عنه بحسب تلك المعرفة التفصيلية، وهذا بخلاف الحكم عند غيرهم ممن يمشي على ظواهر القواعد وقد يجهل تفاصيل المسائل، أو لا بُعنى بالبحث عنها.
علماء العلل الأصل الأول عندهم هو التفصيل، فإن عدموه صاروا إلى القواعد مع ملاحظة القرائن واختلاف الأحوال من راو إلى راو، ومن حديث إلى آخر، ومن مقام إلى غيره؛ ولكن من لم يَسِر على طريقتهم تراه يقدم القواعد ويصبها في قوالب جامدة ويجمد هو عليها؛ وهذا لا يصح.
والحاصل أن طريقة علماء العلل في عنعنة الموصوف بالتدليس هي الحكم على حديثه بحسب أعلى ما عندهم من التفصيل، وأحياناً يكون لديهم معرفة مفصلة بكل حديث من أحاديث ذلك المدلس.
فإن لم يجدوا سبيلاً إلى ذلك صاروا إلى مرتبة أقل تفصيلاً ولكنها تشبه التفصيل وتقاربه، مثل معرفتهم بأن فلان المدلس كان ملازماً لشيخه الفلاني وسمع منه كل ما رواه عنه سوى حديثين، ولكن تلك الحديثين لم يتعينا، ثم يجدون في رواياته عنه حديثاً يستنكرونه أو يستغربونه ويرويه عنه بالعنعنة، فلا يجدون مانعاً بل ولا بداً من حمله على التدليس؛ ومثل أن يعلموا أن يحيى بن سعيد القطان كان لا يكاد يحمل عن شيوخه إلا صحيح حديثهم، فيجعلون هذا قرينة مرجحة للحكم بالاتصال لعنعنة مدلس في حديث رواه عنه تلميذه يحيى.
فإن عدموا هذه الدرجة من التفصيل نزلوا إلى التي دونها، وهي مستندة إلى أصول وخطوط عريضة مختصة بذلك الراوي، مثل كونه مقلاً في تدليسه عن كبار شيوخه، أو مكثراً في تدليسه فيما رواه عن الكوفيين، أو نحو ذلك.
فإن لم يتيسر لهم معرفة ذلك ونحوه من الاستثناءات والضوابط انتهوا إلى ما يبدأ به غيرهم من أهل الإجمال، من المتأخرين وغيرهم، وهو الحكم بالانقطاع على ما يرويه المدلس معنعناً، وبالاتصال على ما يرويه مصرحاً بسماعه.
- 30 -
التدليس والإرسال الخفي أو الظاهر، ليس لواحد منها ضابط كلي باعتبار طبقات الرواة، كأن يقال: فلان كان يدلس عن التابعين ولا يدلس عن الصحابة؛ وقد علم أن الطبقات تتداخل وأن بعض التابعين أقدم وفاة من بعض الصحابة، وأن بعض التابعين أرسل عن بعض التابعين إرسالاً خفياً أو جلياً، في حين كانت رواياته عن شيوخ له من الصحابة متصلة.
وفي الجملة فإن التدليس والإرسال الخفي والإرسال الجلي لا يخصها من يتعاطاها من الرواة بصغير ممن فوقه أو بكبير، هذا هو الغالب.
ولو افترضنا أنهم – أو بعضهم – كانوا يعيّنون من يذكرونه ويسمونه من شيوخهم، ويعينون أيضاً من يدلسونه منهم، فهل حُفظ ذلك كله؟ الظاهر أنه لم يحفظ منه إلا ما ندر؛ وحينئذ فهل يسهل على من بعدهم من النقاد وضع الضوابط الدقيقة المفصلة لمعرفة حدود تدليسهم بحسب طبقات شيوخهم، أو بحسب الأزمنة أو الأمكنة أو غير ذلك؟! هذا ما لا يتيسر بل هو غير ممكن.
فلا معنى إذن للتفصيل الزمني أو الطبقي الذي ذكره بعض الباحثين في شأن شيوخ جماعة من المدلسين.
- 31 -
التدليس أحد أهم وسائل الكذابين ودعاة البدعة والضلالة في تكثير أسانيد الأحاديث المختلقة والواهية وتمشيتها وترويجها؛ فإن قام بعض الدجالين بتركيب متن مرغوب فيه مزور على إسناد معروف، ودعا غيره من أمثاله إلى متابعته عليه؛ ثم قام هو أو غيره بإدخال هذا الحديث على بعض الضعفاء أو المغفلين؛ وقام هو أو غيره أيضاً بتلقينه لمن يقبل التلقين؛ ثم حمله عن هؤلاء الدجالين والهالكين والضعفاء والمغفلين والملقَّنين واحد – أو أكثر من واحد، من الرواة المدلسين، ثم رواه هؤلاء المدلسون مدلَّساً؛ أي رووه عمن رواه عنه أولئك الكذابون ومن تابعهم من الضعفاء والغالطين، فكم طريقاً سيكون لهذا الحديث، وكم سيكون اتساع دائرة انتشاره واشتهاره.
¥