والإسناد فيه عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد، فهو وإن أخرج له مُسلمٌ إلاّ أنَّ حاله لا يحتمل التَّفرُّد كما هو الحال في هذا الحديث، إذ ضعَّفه عددٌ من نُقَّاد الرِّجال فقال عنه أبو حاتم (3): ليس بالقوي، يُكتب حديثه، كان الحُميديُّ يتكلَّم فيه، وقال الدَّار قُطني (4): لا يُحتجُّ به أو يُعتبر به، وذكره البُخاريُّ في " الضعفاء " (5)، وقال في موضعٍ آخر: في حديثه بعض الاختلاف ولا يُعرف له خمسة أحاديث صِحاح وقال ابن حِبَّان (6): منكر الحديث جداً يقلب الأخبار ويروي المناكير عن المشاهير فاستحقَّ التَّرك. وذكر عددٌ من العلماء أنَّه كان داعيةً للإرجاء. وفي مقابل هؤلاء وُجد من وثَّقه كيحيي بن معينٍ.
فظهر أنَّ الأكثر على تضعيفه، ثمَّ إنَّ من ضعَّفه قد بيَّن حاله، بل إنَّ البُخاريَّ قد قال إنَّه لا يُعرف له خمسة أحاديث صحاح، ولهذا فما أخرجه له مُسلمٌ قد انتقاه وغربله كما كان البُخاريُّ يغربل أحاديث شيخه إسماعيل بن أبي أويس. ولو جعلنا ضعف عبد المجيد محتملاً، فحاله لا يقبل الانفراد بحالٍ كما قدَّمت، ولهذا فتصحيح الحديث من طريقه ليس سليماً، وبناءً على ذلك حكم العراقيُّ على حديثه بالضَّعف فقال (1): " ورجاله رجال الصَّحيح، إلاَّ أنَّ عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد وإن أخرج له مُسلمٌ ووثَّقه ابن معينٍ والنَّسائي فقد ضعَّفه كثيرون، ورواه الحارث بن أبي أُسامه في مسنده من حديث أنسٍ بنحوه بإسنادٍ ضعيفٍ.
وقد جهد الشَّيخ في تصحيح هذا الحديث، وهو الشَّيخ النَّاقد الذي ضعَّف أحاديث كثيرةً وحالها أفضل من هذا، بل إنَّه ضعَّف المتواتر ليستقيم مع رأيه، فكان أحرى
ــــــــــــــــــــ
(3) انظر: ابن أبي حاتم - الجرح والتعديل: 6/ 65.
(4) انظر: الذَّهبي - ميزان الإعتدال: 2/ 648.
(5) الضعفاء الصغير: 159 رقم (239).
(6) المجروحين: 2/ 161.
(1) المغني عن حمل الأسفار: 4/ 148 المطبوع بهامش إحياء علوم الدين للغَزَالي.
وقد زعم الشَّيخ أنَّه تراجع عن ذلك في كتابه " طرح التثريب ": 3/ 297 قال: وروى أبو بكر البزَّار في " مسنده " بإسنادٍ جيدٍ عن ابن مسعود ......... " وعزا ذلك لتوسُّع دائرة معارفه ورُسوخ قدمه في العلم، ولكن غاب عن الشَّيخ أنَّ العراقيَّ الوالد لم يكتب من الكتاب إلاّ القليل، والرَّاجح أنَّه لم يصل إلى كتاب الجنائز، ثمَّ إنَّ الإنسان قد يتراجع عن حكمه على حديثٍ إن بان له شيئٌ جديدٌ،أمّا هنا فالإسناد نفسه والطَّريق نفسها فلم التَّراجُع؟؟ ولهذا فحُكم الشَّيخ ليس في مكانه.
ـ[لطفي بن محمد الزغير]ــــــــ[10 - 04 - 06, 08:23 ص]ـ
به أن يتَّبع شُروط النَّقد السَّليمة ليصل إلى نتائج سليمة، ولكنَّه أخذ يحشد ما توصَّل إليه من طرقٍ وهي ضعيفةٌ كما قال ونقل، ولكنَّه أوهم القارئ أنَّ للحديث طرقاً صحيحةً تعضده عندما ساق رواية بكرٍ المُزَني المرسلة ونقل قول الحافظ ابن عبد الهادي في تصحيحها (2)، وكان من الواجب عليه أن يُنبِّه إلى أنَّ هذه الطَّريق ضعيفةً لأنَّها مرسلةٌ بالرَّغم من صحَّة الإسناد إلى راوي الحديث وهو التَّابعي الجليل بكر بن عبد الله المُزَني.
وبعد ذلك أخذ الشَّيخ يذكر الشَّواهد من الأحاديث والآيات الّتي رأى أنَّها تؤيِّد الحديث، فساق حديثين ضعيفين، بل تالفين، وآياتٍ عامَّةً لا تتفق والغرض الّذي سيقت لأجله.
ولو أنَّ الشَّيخ عبد الله الغُماري قد مال إلى تصحيح هذا الحديث فحسب حسبما أدَّاه إليه اجتهاده - وله ذلك - لما نوزع،ولكنَّه صحَّحه ليُعارض به الحديث الصَّحيح الّذي رواه الشَّيخان في الحوض، وأنَّه يَرِدُ عليه أُناسٌ من الصَّحابة، أو أُمَّته فيُطردون فيقول النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم -: "يَا رَب أصْحَابِي، فَيَقُولُ إنَّكَ لا عِلْمَ لَكَ بِمَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ، إنَّهُمْ ارْتَدُّوا عَلَى أعْقَابِهِمْ القَهْقَرَى".
فذكر الشَّيخ تعارض هذين الحديثين حيث إنَّ الأوّل الَّذي صحَّحه يدلُّ أنَّ النَّبيَّ - صلّى الله عليه وسلّم - تُعرض عليه أعمال أُمَّته وبالتَّالي فهو يعلم ما أحدثوا،والآخر يبيِّن أنَّه لا يعلم ما أحدثوا ثمَّ أخذ في الجمع بين الحديثين فذكر عدَّة طرق لا داعي لسردها، ثمَّ كأنَّه مال إلى ترجيح الحديث الّذي صحَّحه من جواباته واعتراضاته على شُروح العلماء للحديث الثَّاني، حيث لم يفهموا من قوله ارتدوا على أعقابهم، سوى مخالفة أمر النَّبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم - بالقتال، والفِتن الّتي حصلت ثمَّ قال: فحديث الحوض يعارضه القرآن والإجماع، في حين أنَّ القرآن يُؤيِّد حديث عرض الأعمال، فأيُّ الحديثين أبعد الإشكال؟ وأولى بالقبول؟.
أمَّا عن ادِّعائه الخطأ في الأحاديث فهو كثيرٌ، فأحياناً يدَّعي أنَّ الحديث مرويٌّ بالمعنى أو أنَّه محرَّفٌ، وقد كثر صنيعه من هذا القبيل في كتابه " فتح المعين، بنقد كتاب
ـــــــــــــ
(2) انظر: الصارم المُنكي: 193، دار الكتب العلمية - بيروت، ط الأولى 1405 هـ/ 1985 م.
¥