تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والخطأ المنهجي الذي وقع فيه " شاخت " هو أنه انتقى المراجع التي يمكن أن يجد فيها ما يؤيد بحثه؛ ذلك لأن الكتب الأخرى غير كتب الحديث، لا يهتم أصحابها بسياق السند كاملاً، ويؤكد ذلك قول الشافعي رحمه الله تعالى: ((وكل حديث كتبته منقطعاً فقد سمعته متصلاً أو مشهوراً عمَّن رُوِي عنه بنقل عامة من أهل العلم يعرفونه عن عامة، ولكن كرهت وضع حديث لا أتقنه حفظاً، فاختصرت خوف طول الكتاب، فأتيت ببعض ما فيه الكفاية دون تَقَصِّي العلم في كل أمره)) (2).

ويقول أبو يوسف القاضي في رده على الأوزاعي: ((ولولا طول الكتاب؛ لأسندت لك الحديث)) (3).

ويرى الدكتور الأعظمي أن من الظواهر التي تختص بها كتب الفقه من حيث الاستشهاد بالأحاديث:

1 - حذف جزء من الإسناد، والاكتفاء بأقل قدر ممكن من المتن الذي يدل على المقصود، وذلك تجنباً للتطويل.

2 - حذف الإسناد بكامله، والنقل مباشرة من المصدر الأعلى للراوية.

3 - استعمال كلمة السنة أو إحدى مرادفاتها للدلالة على أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بدون ذكر حديث أو إسناد؛ لأن الحديث كان معروفاً ومشهوراً في الأوساط العلمية.


(1) دراسات في الحديث النبوي (2/ 397 - 398).
(2) الرسالة (ص 431).
(3) الرد على سير الأوزاعي (ص 31).

4 - ذكر طريق واحد فقط من الإسناد من عدة طرق متوافرة (1).
وبإدراك هذه الفروق يتحقق لكل صاحب نظر صحيح أن " شاخت " قد ارتكب خطأ علمياً جسيماً بإجرائه لدراسته عن الأحاديث النبوية من خلال الكتب الفقهية، وبحسب أصول المنهج العلمي الصحيح، فإنَّ أيَّ دراسة أو نتيجة يصل إليها الباحث في الأحاديث النبوية أو الأسانيد في غير مصادرها الأصلية ذات الاختصاص المباشر، ونعني بها كتب الحديث بمختلف أنواعها رواية ودراية، محكوم عليها بالإخفاق ومجانبة الحقيقة؛ لأنها لن توصل إلى النتيجة السليمة والمنطقية بل ستكون مخالفة للواقع (2).
ثم هناك أمر آخر يظهر منه عدم مصداقية " شاخت " في انتقائه لمصادره، ذلكم هو أنه يعتمد كتابات الإمام الشافعي اعتماداً كلياً، مع أنه في نظره متهم بأنه كثيراً ما يحرف في أصول مخالفيه ومبادئهم، ويسوق على ذلك أكثر من ثلاثين مثالاً، ويطعن عليه بأنه يزيد من عنده في كلام خصومه ويسوق على ذلك عدة أمثلة (3).
والسؤال: إذا كان الإمام الشافعي غير موضوعي عند "شاخت " فهل يجوز في معايير المنهج العلمي أن يعتمد عليه؟ وما المعايير التي تجعله يقبل كلامه أحياناً، ويرفضه أحياناً بدون أي مسوِّغ منطقي؟.
المبحث الثالث: الشك غير المنهجي
يعطي أساتذة المنهجية الشك المنهجي مكانة مهمة، عبّر عنها أحدهم بقوله: ((في كل علم ينبغي أن تكون نقطة البدء هي الشك المنهجي. فكل ما لم يثبت بعد، ينبغي أن يظل مؤقتاً موضوعاً للشك، ولتوكيد قضية ما ينبغي تقديم الأسباب التي تبرر الاعتقاد بأنها صحيحة صادقة)) (4).

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير