تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومثال آخر على تعسف " شاخت " وتحكمه في فهم النصوص التاريخية وتفسيرها، فقد علق على حديث أخرجه موسى بن عقبة في مغازيه، ونص الحديث كما يلي: ((حدثني عبدالله بن الفضل أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: حزنت على من أصيب بالحرة من قومي، فكتب إلي زيد بن أرقم، وبلغه شدة حزني، يذكر أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار " وشك ابن الفضل في أبناء أبناء الأنصار)) (1).

فقال: ((يمدح هذا الحديث حزب الأنصار، الذي كان موالياً للحكام، وفي صف العباسيين، وعلى هذا الأساس لا تصح نسبة هذه الأحاديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (2).

وقد فَنَّد الأعظمي (3) هذا الفهم العجيب من " شاخت " بما ملخصه:

1 - لا نجد كلمة واحدة في هذا الحديث في مدح الأنصار كما يظهر من سياق الحديث وعباراته، وإنما يوجد فيه استغفار للأنصار ودعاء لهم، والله سبحانه وتعالى هو الذي أمر نبيه بالاستغفار، قال تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران

2 - أثنى الله عز وجل على الأنصار في غير ما موضع في كتابه الكريم، كقوله تعالى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (100) سورة التوبة

فالقرآن يعطي الأنصار أكثر مما أُعطوا في الحديث الآنف، فإذا كان قد اخترع في منتصف القرن الثاني أو بعده لمصلحة الأنصار الموالين للعباسيين والمعادين للعلويين، فلا ندري من الذي اخترعه واخترع معه تلك الآية وما يشبهها من آيات تثني على الأنصار وتعطيهم منزلة تفوق ما ورد في الحديث.


(1) أحاديث منتخبة من مغازي موسى بن عقبة (ص 78) رقم الحديث [10].
(2) بحث لشاخت بعنوان " على كتاب المغازي لموسى بن عقبة "، نقلاً عن ترجمة الأعظمي في كتابه منهج النقد (ص 137).
(3) منهج النقد عند المحدثين (ص 141 - 142).

3 - مما يؤكد أنَّ الحديث لا يفهم منه أنه ضد العلويين أننا نجد الشيعة قد أخرجوه في كتبهم كالمجلسي في ((بحار الأنوار)) وغيره من كتبهم، ولو كانوا يشتمون منه أنه موجه ضد العلويين لما نقلوه في كتبهم.
وبما تقدم يعلم تجاهل " شاخت " لعبارات النص وسياقه، مما يؤكد تعسفه في فهم النصوص وتفسيرها.
المبحث السادس: التعميم الفاسد
من مسلَّمات المنهج العلمي أن التعميم بدون استقراء وأدلة كافية يعد مزلة قدم تفقد الثقة بالباحث الذي يقع منه ذلك، يقول " لانسون ": ((إن اليقين يأخذ في التناقص كلما أخذ التعميم في التزايد، وهذه حقيقة تصدق على كل العلوم)) (1).
وفي نص آخر له يقول: ((نأخذ من المناهج العلمية: الحذر … وأن نكون أقل استسلاماً لأهوائنا، وأقل تسرعاً إلى الجزم)) (2).
ويقول الدكتور شوقي ضيف: ((ينبغي الاستقراء الكامل … حتى لا يقع الباحث في تعميمات وأحكام خاطئة)) (3).
والملاحظ على " شاخت " أنه كان يعمم في كثير من الأحيان في بحوثه معتمداً على نص أو نصوص قليلة جداً، ومن ذلك مثلاً زعمه بأن الفقهاء في مدرستي المدينة والعراق كانوا يقدمون قول الصحابي على السنة النبوية، ولننظر كيف يستدل على هذا التعميم الفاسد؟ يقول: ((إن موقف العراقيين وأهل المدينة من أحاديث الأحكام موقف متماثل، وهو يختلف جوهرياً عن موقف الشافعي، وفي كتاب " اختلاف الحديث " (ص 30) نجد أن العراقيين وأهل المدينة جميعهم يهملون الأحاديث النبوية، ويقدمون عليها ما يستنبطونه من القواعد أو أقوال الصحابة)) (4).

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير