انتخب الإمام البخاري صحيحه من نحو ستمائة مائة ألف حديث، اختار أحاديث الكتاب من نحو ستمائة مائة ألف حديث كان قد سمعها من شيوخه، طبعًا المقصود بهذا العدد لا أن المتون ستمائة ألف متن، وإنما المقصود به الأسانيد والأحاديث؛ سواء كانت مرفوعة، أو موقوفة على الصحابة، أو مقطوعة على التابعين، يعني سواء كان منتهى الإسناد فيها إلى النبي عليه الصلاة والسلام أو إلى الصحابة أو إلى التابعين فمن دونهم، فالمقصود أنه انتخبه من ستمائة ألف رواية أو إسناد.
الابتداء في تأليف هذا الكتاب في المسجد الحرام في مكة، ووضع تراجمه في المدينة النبوية أو العكس وضع التراجم في مكة ووضع الأحاديث في المدينة.
ويُذكر أنه ما وضع حديثًا إلا وتوضأ - وفي رواية: اغتسل - وصلى ركعتين، قبل كل حديث من أحاديث " الجامع " وهو يقصد بذلك طلب التوفيق والإعانة من الله سبحانه وتعالى على أن يوفقه في اختيار الأحاديث الصحيحة التي ليس لها علة ولا شيء يقدح في صحتها.
اسم هذا الكتاب الكامل الصحيح:
" الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه "
هذا اسم صحيح البخاري الكامل الذي سماه به المؤلف وهو البخاري، وهذا الاسم مهم وسنقف مع كلمة من كلماته لنشرحها ونبين من خلالها منهج الإمام البخاري، " الجامع المسنَد الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه ".
فأولًا كلمة " الْجَامِع " التي ذكرها الإمام البخاري هنا: المقصود بـ" الجامع " والمقصود بهذه العبارة أن هذا الكتاب يجمع أبواب العلم كلها، ولا يقتصر فقط على نوع من أنواع الأحاديث أو قسم من أقسام الأحاديث، يعني هناك طريقة في التصنيف سيأتي الكلام عليها بإذن الله تعالى وهي طريقة التصنيف على السنن، كتب السنن أكثر عنايتها بالأحاديث التي تتعلق بالأحكام الفقهية، أما كتب الجوامع فهي تشمل كل الأحاديث، سواء استُنْبِط منها حكم فقهي أو لم يُستنبط منها حكم فقهي.
س: هل يمكن أن يوجد حديث لا يُستنبط منه حكم فقهي أو لا يوجد؟
ج: يوجد.
س: مثل؟
ج: أحاديث الترغيب والترهيب.
أحاديث الترغيب والترهيب ممكن يقال أنه يستنبط منها استحباب أو كراهة.
س: مثل أيش؟
ج: أحاديث السيرة والمغازي.
مثل بعض أحاديث السيرة والمغازي لا يستنبط منها حكم. صحيح.
س: غيرها؟
ج: أشراط الساعة.
أشراط الساعة، صفة الجنة والنار، أهوال يوم القيامة، هل هذه متعلقة بأحكام الحلال والحرام؟! ما يمكن؛ لأنها أمور صحاح متعلقة بالاعتقاد، وجوب اعتقاد صحتها إذا ثبتت، لكن لا يتعلق به حكم فقهي من حلٍّ أو حرمة أو ما شابه ذلك.
فهذه التي تعتني بها كتب السنن؛ الأحاديث الخاصة بأحاديث الأحكام أو أحاديث الفقه، أما الجوامع فتجمع كل السنة، سواء متعلقة بالأحكام أو غير متعلقة بالأحكام، وهذا واقع صحيح البخاري؛ ولذلك أورد فيه أحاديث علامات الساعة، وفي كتاب التفسير أورد بعض أحاديث التفسير وأصلًا أحاديث التفسير لا علاقة لها بالأحكام، وفي فضائل الصحابة والبلدان والقبائل؛ هذه لا يتعلق بها أيضًا حكم في كثير من الأحيان.
المقصود: أنه أخرج ما يتعلق بجميع أبواب العلم، استُنبط منها حكم فقهي أو لا، ولذلك قد وصف بـ" الجامع ".
ما دمنا نتكلم عن أن هذا الكتاب شَمِل جميع أبواب العلم، فنريد أن نتكلم عن تبويبات البخاري ومزايا هذه التبويبات:
تميَّز الإمام البخاري في تراجم أبوابه وعناوين هذه الأبواب التي وضعها للصحيح، وحتى قِيلَت العبارة الشهيرة التي يقال فيها: فقه البخاري في تراجم أبوابه أو في تراجم صحيحه، يعني من أراد أن يعرف فقه البخاري وآرائه الفقهية فعليه أن يقرأ تراجم الأبواب فإنه سيعرف فقه الإمام البخاري.
وتراجم الإمام البخاري تنقسم إلى قسمين كما بَيَّن ذلك الحافظ ابن حجر: منها تراجم ظاهرة المقصود، يعني يكون علاقة الترجمة بالحديث ظاهرة وبيِّنة.
¥