تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مثل: باب التداوي بأبوال الإبل وألبانها، أورد فيه حديث العُرَانِيِّينَ ?? الَّذِينَ اجْتَوَوْا الْمَدِينَة فَأَوْصَاهُمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنْ يَخْرُجُوا إِلَى رَاعيه له، وذُودٍ له مِنَ الْإِبِلِ لِيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا ?? ويتداووا بذلك مما أصابهم من الداء.

هذا التبويب علاقته بالحديث واضحة وصريحة، لا تحتاج إلى دقة استنباط وفَهم.

لكن هناك أبواب أَتْعَبت العلماءَ في معرفة علاقة الحديث بالباب وكيف استنبط الإمام البخاري ذلك الحكم من ذلك الحديث الذي أورده تحت ذلك الباب، ومن أمثلة ذلك باب عقده الإمام البخاري في صحيحه، قال: باب تزويج المعسِر الذي معه القرآن والإسلام، ثم أورد فيه حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: ?? كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا نَسْتَخْصِي - استأذنوا النبي عليه الصلاة والسلام في الخِصاء؛ أن يَخْصُوَا أنفسهم حتى لا يقعوا في الإثم، يقول ابن مسعود - فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ ??.

ما هي علاقة هذا الحديث بباب تزويج المُعْسِر الذي معه القرآن والإسلام؟

علاقة خفية جدًّا، يقول بعض العلماء الذين شرحوا هذا الحديث: لمَّا كان الشاب - وهذا ينفعكم الآن، خاصة الذي لم يتزوج منكم - لا يستغني عن الزواج ولا بد له من الزواج وهو مأمور بأن لا يقع في الإثم وأن يرتكب الفاحشة، يعلم النبي عليه الصلاة والسلام أن نَهْيَهُ عن الخصاء في مثل هذه الحالة سيحقق له مشقة عظيمة، فقير كما تأتي رواية أخرى لابن مسعود: ?? وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ ??. يعني ليس عندنا مال حتى نتزوج، فليس عنده مال حتى يتزوج وهو في حاجة إلى الزواج ومنهي عن الخصاء ولا يمكن أن يرتكب الفاحشة المنهي عنها؛ هذه مشقة عظيمة، إذًا ما هو الحل؟ لا حَلَّ إلا أن يُزَوَّج بما معه من القرآن والإسلام؛ لأنه لا يخلو مسلم أن يكون معه شيء من القرآن، فدل ذلك على أن النبي عليه الصلاة والسلام لما نهاهم عن الاختصاء كأنه يقول للناس: فزَوُّجوهم وإن كانوا فقراء بما معهم من الإسلام والقرآن.

شوف الاستنباط. بعيد ودقيق جدًّا!! وللإمام البخاري من هذه الأمثلة شيء كثير، ولذلك اعتنى العلماء بتأليف مؤلفات خاصة في بيان علاقة الحديث بالباب، وقد طُبع من هذه المصنفات عدة كتب، من أشهرها، ومن أولاها بالذكر ثلاثة كتب يأتي ذكرها إن شاء الله عندما نتكلم عن أهم الكتب التي تكلمت عن كتاب البخاري.

قلنا أن تراجم البخاري إما أن تكون ظاهرة وإما أن تكون خفية، والخفية ضربنا لها مثالًا، لكن ما هو سبب هذا الخفاء في تراجم البخاري، يعني هل الإلغاز وذكر التراجم على هذا الوجه من الغموض مَطْلَب؟

لا شك أنه ليس مطلبًا، والوضوح حسن ومطلوب، لكن سبب هذا الغموض هو أن البخاري قد لا يجد حديثًا صحيحًا على شرطه ينص على هذا الحكم، فيضطر أن يستنبط هذا الحكم من حديث على شرطه ولو كان هذا الاستنباط فيه شيء من الخفاء، ولكون الكتاب يريده مختصرًا لم يزد في الشرح والإيضاح؛ يضع التبويب ويضع تحته الحديث، ولا شك أن أمثال الإمام البخاري من الأذكياء والعباقرة - وما أقلهم! - ربما ظن الأمر في غاية الوضوح لشدة ذكائه وهو عند غيره في غاية الغموض، ولذلك عُرف الإمام البخاري بكثرة إِلْغَازِه في جميع مصنفاته، حتى في كتابه " التاريخ الكبير "، يعني منهج الإلغاز والأسرار والغموض والفوائد المختفية في أثناء الكتاب هذه منتشرة في كل كتب الإمام البخاري، وهذا مرده - والله أعلم - إلى شدة ذكائه؛ يظن أن الكلام واضحًا وهو قد يكون كذلك عند غيره من الناس بل من العلماء، حتى أنهم تَعِبوا كثيرًا في بعض الأبواب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير