الكلام حول التراجم - حقيقةًً - طويل، لكن لا نريد أن نطيل في الكلام عنها وخاصة أن الوقت قد أدركنا، لكن نريد أن نذكر بعض الكتب التي قلنا أنها اعتنت بالتراجم في آخر كلامنا عن التراجم؛ منها:
1 - كتاب " المُتَوَارِي " على تراجم أبواب البخاري لناصر الدين بن المُنَيِّر الإسكندراني.
وهو مؤلف، أو له تأليف لابن المنير الإسكندراني كتاب شهير يتعلق بكتاب كبير في التفسير، تعرفون كتاب " الكشاف " للزمخشري؟ لابن المُنَيِّر تعقبات عليه يتعقب فيها آرائه الاعتزالية، ابن المنير أشعري فيتعقبه في آرائه التي يخالف فيها الأشاعرةُ المعتزلةَ.
2 - كتاب " مناسبات تراجم البخاري " لبدر الدين بن جماعة.
وقد استفاد من الكتاب السابق تقريبًا وزاد عليه، بعني: اختصر الكتاب السابق - تقريبًا- وزاد عليه بعض الزيادات.
3 - من الكتب المتأخرة " شرح تراجم أبواب البخاري لأحد علماء الهند المتأخرين " للشاه أحمد بن عبد الرحيم الدِّهْلَوِي الهندي، المتوفى سنة: ألف مائة وسبعة عشر من الهجرة، وهو كتاب مطبوع وفيه إضافات متعددة على الكتب السابقة.
يبتدئ الإمام البخاري كما هو معروف بكتاب " بَدْء الوحي "؛ أول كتاب في " صحيح البخاري " هو كتاب: " بَدْء الوحي "، وأول حديث فيه حديث: ?? إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ??، وآخر كتاب في " صحيح البخاري ": " كتاب التوحيد "، وآخر حديث فيه حديث: ??كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ ??.
ويقول بعض أهل العلم إن بداية الإمام البخاري بـ" بَدْء الوحي " لبيان أن كتابه سيشمل جَمْع هذا الوحي وهو سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وابتدئ بحديث: ?? إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ?? ليستحضر هو وقارئ الكتاب إخلاص النية من أول تَعَلُّمه للسنة النبوية، وخَتَم بـ" كتاب التوحيد "؛ لأنه هو المرجِع والأساس الذي ينبني عليه قَبول العمل والثواب عليه في الآخرة؛ قَبول العمل في الدنيا وهو أن يكون صوابًا لا بد من التوحيد، وأن يُؤْجَر عليه الإنسان في الآخرة، إذا لم يكن الإنسان من أهل التوحيد لا شك أن أعماله ستكون كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، وختم بحديث: ?? كَلِمَتَانِ ... ?? تذكيرًا بآخر ما يحصل في يوم القيامة وهو وَزْن الأعمال، وأن سيكون آخر ما يبين مصير الإنسان من السعادة أو الشقاء هو هذا الميزان الذي تُوزَن فيه الأعمال.
على كل حال هذه بعض الأقوال الفقهية في توجيه بداية الإمام البخاري بحديث: ?? إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ??، وفي ختمه بحديث: ??كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ... ??.
الكلمة الثانية في عنوان " الصحيح ": " المسند ".
؛ قلنا " الجامع المُسْنَد ".
وقبل أن نستمر، نحن نريد أن نأخذ عنوان البخاري ونشرح الكتاب بناءً على هذا العنوان، لِمَا نفعل هذا؟
لعدة أسباب:
السبب الأول: أن الإمام البخاري لم يذكر مقدمة يبين فيها منهجه في " الصحيح "، لو كتب مقدمة لأراحنا؛ يقول فيها شرطي كذا منهجي كذا، مجرد أن نقرأ هذه المقدمة نشرحها في أكثر ما نحتاج، لكن الإشكال أن الإمام البخاري لم يكتب مقدمة لصحيحه، فلا يوجد لنا شيء ممكن نعرف من خلاله منهج البخاري إلا كتابه " الصحيح " نفسه مع عنوانه، والعنوان بالفعل من خلاله ممكن نعرف أهم عناصر منهج الإمام البخاري، فذكرنا " الجامع " ومعنى " الجامع "، ومنه تفرقنا إلى تصنيف البخاري أو تبويبات البخاري، الآن نقف عند كلمة " المسند ".
ما هو " المسند " عند المحدثين حتى نعرف أو نستطيع أن نعرف شرط البخاري في هذا الكتاب؟
يصف كتابه بأنه مسند، والمسند اختُلف في تعريفه لكن من أشهر التعاريف له أنه: المرفوع المتصل. والتعريف الذي عرفه به الحافظ ابن حجر هو: " مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال ".
على كل حال كلا التعريفين ينفع في بيان منهج الإمام البخاري في هذا الكتاب.
إذًا أول شرط للإمام البخاري نستفيده من كلمة " مسند " في هذا الكتاب شرط الاتصال: أن يكون الحديث متصلًا، وهذا الشرط هو الذي يجعلنا نعتبر كتاب الإمام البخاري هو أول كتاب أُلِّفَ في الصحيح المجرد.
¥