ولذلك الضياء المقدسي أورد بعض الآثار الموقوفة - الضياء المقدسي صاحب كتاب " المختار " واشترط فيه أن يورد الأحاديث المسندة مثل البخاري، الصحيحة التي لم يُخرجها البخاري ومسلم سيأتي الكلام عليها إن شاء الله - أورد بعض الآثار الموقوفة ثم قال بعد أحد الآثار في كتابه يقول: هذا حديث حسن عن أبي بكر إلا أنه ليس فيه شيء من قول النبي (وقد روى البخاري في كتابه غير شيء من كلام الصحابة.
كأنه يقول: لا أحد ينتقدني بإخراج هذا الأثر، فقد سبقني البخاري فأخرج آثارًا للصحابة، وهذه الآثار كما ذكرت ليست من باب ما له حكم الرفع، بل هي موقوفات لا يقال أن لها حكم الرفع، فما هو وجه إخراج البخاري لها؟! هذه تنفع أن تكون مشروعًا علميًّا يقوم به أي واحد منكم أو غيركم؛ يَجْمَع هذه الآثار الموقوفة التي أسندها البخاري ويبين وجه إخراج البخاري لهذه الآثار الموقوفة، لما أخرجها في كتابه؟! مجال من مجالات دراسة صحيح الإمام البخاري.
سنقف على الاتصال مرة أخرى عند شرط الصحة وسنتكلم عليه إن شاء الله.
الكلمة الثالثة في العنوان: " الصحيح ".
طبعًا هي لُبُّ العنوان وهي أكبر ما يُمَيّز هذا الكتاب؛ اشتراط الصحة، وبذلك يعلن البخاري شرطه من عنوان كتابه، فشرط الصحة لم يكن باستنباط من العلماء، يعني ما عرفوا أنه اشترط الصحة من خلال دراسة الكتاب وإنما من عنوان الكتاب ومن تصريح المؤلف أنه سيخرج الحديث الصحيح.
وتعريف الحديث الصحيح؟ أي تعريف من التعاريف التي ذكرها أهل العلم؟ من يذكر تعريف الحافظ ابن حجر؟
هو قال: خَبَر أَحَادٍ. مُتَّصِل السَّنَدِ. بِنَقْلِ عَدْلٍ. تَام الضَّبْطِ. غَيْر مُعَلَّلٍ ولا شَاذ؛ هذا تعريف الحافظ ابن حجر للحديث الصحيح.
إذًا هناك خمسة شروط للحديث الصحيح:
الأول: اتصال السند.
الثاني: عدالة الرواة.
الثالث: تمام الضبط. كما يقول الحافظ ابن حجر.
الرابع: السلامة من الشذوذ، أو عدم الشذوذ.
الخامس: عدم العلة، أو السلامة من العلة.
هذه الخمسة شروط، إذًا ما دام البخاري اشترط الصحة لا بد أن تجتمع الشروط الخمسة بأحاديث كتابه التي يسندها، التي يرويها مسندة متصلة.
هذا العنوان واضح منه أن الإمام البخاري سيشترط هذه الشروط في كل كتابه. وبذلك نقف عند شرطه في الرواة أولًا: العدالة والضبط.
ما دام أن شرط الصحيح ألا يُخرج إلا للعدل الضابط، فهل يمكن أن يُخرج البخاري لراوٍ مشهور مثلًا في كتابه هو يجهله لا يعرفه؟
س: من هو الراوي المجهول؟
ج: هو مَنْ لم يَثْبُت فيه لا جَرْحًا ولا تعديلًا.
لأنه لو عرفناه بالجرح صار ضعيفًا على مراتب الضعف، ولو عرفناه بالعدالة صار عدلًا على مراتب العدالة أيضًا إذا انضَمَّ إليه الضبط.
إذًا شرط " الصحيح " ألا يُخرج لا لمجروح ولا لمجهول؛ ولذلك يقول الحافظ ابن حجر: إنه لا يصح أبدًا أن نحكم على راوٍ في " الصحيح " بأنه مجهولٌ خاصةً. لماذا؟ لأن مجرد إخراج البخاري له يعني أن البخاري قد عرفه بالعدالة وارتضاه، فلو جاء أي عالم من العلماء وقال: فلان مجهول، وقد أخرجه البخاري - نُقَدِّم كلام مَنْ؟
- البخاري. لماذا؟ لأنه البخاري أم لأمر آخر؟
الذي يقول: أنا اعرفه وهو ثقة؛ هذا عنده زيادة علم، أما الآخر يقول: أنا لا أعرفه. هل نجعل الذي يقول: لا أعرفه حُجة أم الذي يقول: أنا أعرفه، من هو الحجة؟
هذا يتكلم من عدم علمه، معذور، يقول: أنا لا أعرف فلانًا، والآخر يقول: أنا أعرفه وقد عرفته بالعدالة والضبط، ولذلك نقدم كلام من كان عنده زيادة علم على من ليس عنده هذه الزيادة، ولا شك، ولا أجعل كلام الأقل علمًا حجة على من عنده علم؛ هذا نفس وأكمل المنهج الصحيح في التعامل مع مثل هذه القضايا، ولذلك لا يمكن أبدًا أن أقبل - وهذا نص عليه الحافظ ابن حجر - من أحد أن يقول عن راوٍ في صحيح البخاري: إنه مجهول؛ لأن مجرد إخراج البخاري له يقتضي أنه قد عَرَفَه بالعدالة والضبط، ولذلك يقول الحافظ: من ادعى أن راوٍ في " الصحيح " مجهول يكون هذا نازَع البخاري علمَه. كأنه يقول للبخاري: أنت لا تعرف فلانًا، البخاري يقول: أعرفه، وهذا يقول: لا أنتَ لا تعرفه ومجهول، وهذا لا يصح ولا يُقبل منه.
¥