تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من القضايا المهمة المتعلِّقة بشرط البخاري في الرواة - وقد يُعترض على البخاري بها - روايته عن أهل البدع؛ لآن من المعروف أن البدعة تعارض شرط العدالة، وأن البدعة ربما قدحت في عدالة الراوي؛ أقول: ربما؛ لأن البدعة قد لا تقدح في عدالة الراوي على الصحيح، فيما لو كان الراوي مُتَأَوِّلًا، إذا كان الراوي مُتَأَوِّلًا فإن البدعة؛ مع تحذيرنا منها، مع تحذيرنا من صاحبها، مع بيان خطرها، إلا أننا لا نتهم هذا الراوي بالفسق، وبعدم العدالة إلا إذا عرفنا أنه غير مُتَأوِّل، إذا قامت عندنا قرائن تدل - أو أَيْقَنَّا أو غلب على ظننا - أنه غير متأول، أي أنه يرتكب هذه البدعة وهو على عِلم بمخالفتها لنصوص الكتاب والسنة؛ هذا الذي يُفَسَّق، ولذلك تساهل العلماء ومنهم الإمام البخاري في الرواية عن بعض أهل البدع، لأن الراجح أن أهل البدع لا يُطلق القول برد روايتهم ولا بقبول روايتهم، وإنما هناك تفصيل في قبول روايتهم.

وهذا التفصيل ينبني على شروط ثلاث أساسية وهي:

الشرط الأول: أن لا يكون الراوي مُكَفَّرًا في بدعته.

الشرط الثاني: وأن لا يكون معاندًا، يعني أن يكون متأولًا فلا يكون معاندًا.

الشرط الثالث: ألا يروي حديثًا منكرًا يؤيِّد البدعة، ما هو أي حديث منكر وإنما حديث منكر يؤيد البدعة، وهذه لها مجال آخر وسبق أن تكلمنا عليها في دروسنا.

وقد طَبَّق هذه الشروط الإمام البخاري، وبهذه الشروط لا تجد أي تناقض بين تصرف البخاري وبين هذه الشروط؛ لأنه بعضهم مثلًا قال بأن شرط البخاري ألا يُخرج للدعاة. وجدنا أن البخاري قد أخرج لبعض دعاة البدع؛ داعية من دعاة البدع وأخرج له البخاري. ومن قال مثلًا أنه ترك الرواية عن المبتدعة فهذا قول باطل، ولا شك أنه أخرج عن عدد من المبتدعة ليس بالقليل.

فمثلًا عندي هنا بعض الأمثلة:

أولًا: الذين وُصفوا بالبدعة وأخرج لهم البخاري حسب ما في " كتاب الميزان " بلغوا تسعة وستين راوٍ في صحيح البخاري؛ منهم من كان داعية من الدعاة إلى البدعة: سالم بن عجلان، وكان داعية إلى الإرجاء، ومثله تمامًا: شبابة بن سوَّار، كان داعية إلى الإرجاء، وعبد الله بن أبي نجيح كان من رءوس الدعاء إلى القدر كما يقول يحيى بن سعيد القطان، يقول: كان من رءوس الدعاة إلى القدر، بل وُصف أيضًا بالاعتزال، وأحمد بن بشير الكوفي يقول عنه ابن نُمير: حسن المعرفة بأيام الناس، حسن الفهم، كان رأسًا في الشعوبية يخاصم في ذاك، يعني: داعية ويدعوا وبجَلَد وبقوة ويخاصم الناس ويُعادي ويوالي بناءً على هذه البدعة، والشعوبية ما هي؟ من يعرف هذه البدعة؟

التي هي ضد القومية العربية وهي نفي أن يكون للعرب أي مزية على غيرهم، وهذا خلاف مذهب أهل السنة والجماعة؛ يرون لجنس العرب فضلًا على جنس العجم، وإن كانوا عند الله عز وجل سواسية من ناحية الأعمال والفرائض والواجبات والمنهيات، لكن هذا الجنس أفضل من غيره من الأجناس من ناحية الصفات التي وضعها الله عز وجل فيه وجعله مادة الإسلام، وهو الذي انتشر على يده هذا الإسلام في أقطار العرب؛ المقصود هذا الرجل كان رأسًا من رءوس الشعوبية وكان داعية إلى هذا المذهب.

إذًا إخراج البخاري لهؤلاء توجيهه: أنه أخرج لهم بناءً الشروط الثلاثة السابقة، ولن تجد هذه الشروط مناقضة لإخراج البخاري لواحد من هؤلاء؛ لأنك لو قلت الداعية فهؤلاء دعاة، حتى إذا قلت حديثًا يؤيد البدعة سيأتي إن شاء الله أن أصحاب الصحيح قد يخرجان أحاديث من رواية المبتدع وتؤيد بدعته لكنها ليست مُنْكرة، وسيأتي له مثال صريح عن كلامنا على الإمام مسلم عليه رحمة الله. هذا بالنسبة لاشتراط العدالة في " صحيح البخاري ".

طبعًا هناك كلام حول شرط البخاري أثاره الحاكم لا أريد أن أتوسع في ذكره، لكن أقل شيء فيه هو الإشارة إليه الآن، وهو أن الحاكم ذكر كلامًا فُهِمَ منه أنه يدعي أن شرط البخاري في الراوي الذي يُخرج له ألا يُخرج إلا لراوٍ قد عُرِفَ برواية اثنين عنه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير