القسم الثاني: المُتَكَلَّم فيه ببدعة وهم قسم كبير من هؤلاء الرواة، بيَّنا موقف البخاري من هن رواية المبتَدِع وموقفه منهم، والموقف الصحيح الذي صار عليه المحدثون، وسيخرج أيضًا عددًا كبيرًا من هؤلاء الرواة.
القسم الثالث: مَنْ تُكُلِّم فيه لأنه وَهِم في حديث أو أخطأ في حديثين أو ثلاثة، لكنه ما زال في درجة الضبط والإتقان، فمثل هؤلاء لا تُترك رواياتهم كلها من أجل خطأين أو ثلاثة أو أربعة أو من أجل أنه خف ضبطه.
القسم الرابع: من كان ضعيفًا على الواضح عندنا نحن، وإن كان في علم البخاري قد يكون بخلاف ذلك، المقصود أنه قد يكون ضعيفًا حتى عند البخاري، فمثل هؤلاء ربما أخذ البخاري من هؤلاء وانتقى من حديثهم ما ضبطوه وأتقنوه؛ لأنه حتى سيئ الحفظ لا يُتَصَوَّر أَلَّا يضبط وَلَا حديث، قد يكون غالب عليه الوهم، لكن توجد هناك أحاديث أصاب فيها، فيُخرج لمثل هؤلاء وغالبًا يكون إخراجه لمثل هؤلاء في المتابعات والشواهد.
لكن الحقيقة قبل أن نترك هذه المسألة نقرر قضية مهمة وهي أن البخاري لا يمكن أن يخرج لراو في صحيحه إلا وهو عنده في درجة القَبول، ولا نَخرج عن هذا الأصل إلا بدليل قطعي يقيني أنه ضعيف عند البخاري لمَّا أخرج له في " الصحيح "؛ لأن شرط الصحيح كما قلنا: العدالة والضبط، ولا يمكن أن نخرج عن هذا الأصل إلا بدليل واضح، ولا يكون الدليل واضحًا إلا إذا عرفت أنه ضعيف عند البخاري لا عند غيره، قد يكون ثقة عند البخاري ضعيفًا عند غير البخاري، هذا لا يهمني، يهمني أن أعرف رأي البخاري فيه، قضية الترجيح هذا أمر مختلف، لكن يريد أن يعرف رأي البخاري في هذا الراوي، كما قلنا: مجرد إخراج البخاري له يدل على أنه ما زال في درجة القبول ولهذا أدلة متعددة.
نستثني من هذا الإطلاق - كما قلت: كل رواة الصحيح في درجة القبول - الصور الآتية:
أولًا: من أخرج له البخاري مقرونًا، كيف أخرج له مقرونًا؟! ما هي صورة الرواية القرناء؟
المقرون: هو الذي يُسَمَّى في الإسناد مع غيره. فيقال مثلًا: حدثني فلان وفلان. فممن أَخْرَج له البخاري مقرونًا: من قد يكون ضعيفًا عند البخاري.
ما هو وجه الإخراج لهم بهذه الصورة؟
قد يكون من التقوي وأنه يَعتبر هذا الراوي ما زال يُعتبر به، فهو معتمد على راوٍ ثقة وإنما أورد هذا من باب زيادة الفائدة.
وقد يورده كذلك لأن البخاري سمعه على هذه الصورة، يعني سمع الحديث من أحد شيوخه يرويه عن شيخين له، فيورده كما سمعه تمامًا، دون زيادة ولا نقص، حتى لا يُغَيِّر من سياق الإسناد شيئًا، والحقيقة عندي أمثلة، لكن أنا كنت أتصور أن " صحيح البخاري " سننتهي منه اليوم ونبتدئ في " مسلم "، لكن ما زلنا في الكلام عن البخاري وسوف نختصر كثيرًا في الأمثلة.
أو من خلال أيضًا الذين يُوردهم البخاري لا للاحتجاج، قد يوردهم خلال سِيَاقَة أحد رجال الإسناد بطريقين له، يعني: في أحد الرواة مثل سفيان بن عيينة.
يقول الإمام البخاري: ?? حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ... ?? إلى آخر الحديث.
ثم قال سفيان: ?? وَزَادَ عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ??.
الآن الإمام البخاري يروي هذا الحديث عن شيخه علي بن المديني وشيخه يروي عن سفيان، وسفيان أورد الحديث بطريقين فالبخاري أوردها كما سمعها، فكان في الطريق الثاني راوٍ اسمه عبد الكريم بن أبي المُخَارِق أبي أمية، وعبد الكريم بن أبي المُخَارِق ضعيف، فالبخاري ما أورده لأنه حجة عنده ولكن لأن سفيان بن عيينة حدث بهذا الحديث بهذه الصورة فأورده كما سَمِعَهُ.
وفي ذلك فائدة مهمة ولذلك أوردها البخاري: أن الراوي قد يخطئ؛ فيذكر لفظ الراوي الضعيف في رواية الراوي الثقة، فأراد البخاري أن يبرأ ذمته بنقل الحديث كما سمعه، فلو وقع وهم أو خطأ يعرف الناقلون أن هذا من قِبل سفيان بن عيينة لا من قِبل شيخه ولا من قِبل البخاري نفسه.
فهذه صورة أخرى تدعو البخاري إلى أنى يذكر الراوي الضعيف في صحيحه وإن لم يكن ثقة عنده.
الصورة الثالثة: أن يورده بمتابعات، ونقصد من المتابعات الروايات التي يُعَلِّقها البخاري في آخر الصحيح، فيقول مثلًا بعدما يورد الحديث، يقول: وقد رواه معمر وفلان وفلان عن - مثلًا - همام أو عن فلان؛ أحد الرواة، يذكر من تابع رواة الحديث الذي أسنده عقب الحديث مباشرة، يذكرها معلقة، هؤلاء أيضًا لا يُشترط فيهم أن يكونوا عدولًا أو ضابطين.
إذًا الرواة الذين يشترط فيهم أن يكونوا عدولًا ضابطين هم الذي يخرج لهم مُسْنَدَات، يعني حديث مسند متصل بشرط ألا يكون مقرونًا ولا يكون ورد كذلك بالإسناد؛ يعني إسناده عقب إسناد، وبشرط ألا يكون بمتابعاته التي يُسوقها معلقة في آخر الحديث، من سوى هؤلاء فكلهم عند البخاري لا ينزلون عن درجة القبول، ولو في آخر مراتبها.
وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد (، وعلى آله، وصحبه وسلم.
¥