المسألة الثالثة: إحالة الرواية على سياق مذكور:
المقصود به: أن يسوق مخرج الخبر حديثاً بإسناده ومتنه، ثم يخرج بعده متابعة أو شاهداً، فلا يسوق اللفظ، ويقول بعد الفراغ من الإسناد مثلاً: (مثله) أو (نحوه)، يحيل على اللفظ المتقدم.
وهذا لا حرج فيه، ويكثر عند أهل الحديث استعماله، لكن يجب الاحتياط في حكاية لفْظ الرواية المحالة.
قال الحاكم: " مما يلزم الحديثي من الضبط والإتقان إذا روى حديثاً وساق المتن، ثم أعقبه بإسناد آخر: أن يُفرَّق بين أن يقول: (مثله)، (أو نحوه)، فإنه لا يَحل له أن يقول: (مثله) إلا بعد أن يقف على المتنين جميعاً، فيعلم أنهما على لفظٍ واحد، وإذا لم يُميز ذلك، جاز أن يقول: (نحوه)، فإذا قال: (نحوه) بين أنه مثل معانيه " (574).
ويتفرغ عن هذه المسألة: هل يصح سياق نفس المتن المذكور للرواية الأولى للإسناد الثاني؟
الجواب: اختلف في ذلك المتقدمون، فوسع فيه سفيان الثوري في (مثله) و (نحوه)، ووافقه النقل عن يحيى بن معين في (مثله) خاصة، ومنع شعبه بن الحجاج من ذلك فيهما (575).
والاحتياط فيه أولى، وذلك بأن يقول مثلاً: (مثل حديث قبله متنه كذا وكذا) أو (نحو حديث قبله متنه كذا وكذا)، وهو اختيار الخطيب.
ومما يقويه ما ذكر ه ابن حجر عن صنيع مسلم في " صحيحه " إذا قال: (مثله)، وقد كان من أدق الناس في تمييز الألفاظ: " الذي يظهر أن مسلماً لا يقصر لفظ المثل على المساوي في جميع اللفظ والترتيب، بل هو في المعظم إذا تساويا في المعنى " (576).
وفي باب الاعتبار، لا مانع من الاعتبار بالإسناد الثاني في تقوية الأول، اعتماداً على المحدث فيما ادعاه من المثلية أو النحوية، وإن كان الأولى الاجتهاد للوقوف على متن ذلك الإسناد في مصادر السنن والأخبار.
* * *
الحواشي:
(552) كما شرحت ذلك في " تنقيح النقول من نوادر الأصول " (رقم: 98 _ 101).
(553) أخرجه الخطيب في " الكفاية " (316) وإسناده جيد. كما روى معناه من وجهٍ آخر.
(554) المحدث الفاصل (ص: 530)، وذكر أن مثل هذا الاستدلال قد حُكي عن الحسن البصري، وساقه، لكن في إسناده نظرٌ.
(555) الكفاية (ص: 303 _ 304).
(556) الإحكام في أصول الأحكام (1/ 139).
(557) الإحكام في أصول الأحكام (2/ 86).
(558) بالتخفيف أصح.
قال الرامهرمزي: " قوله صلى الله عليه وسلم: نضَر الله امرأً، مُخففٌ، وأكثر المحدثين يقوله بالتثقيل إلا من ضبط منهم، والصواب التخفيف، ويحتمل معناه وجْهين: أحدهما: يكون في معنى ألبسه الله النضرة، وهي الحُسنُ وخلوصُ اللون، فيكون تقديره: جمَّله الله وزينه.
والوجه الثاني: أن يكون في معنى أوْصله الله إلى نضرة الجنة، وهي نِعمتها ونضارتها " ثم استدل لذلك (المحدث الفاصل، ص: 167)، وانظُر كذلك: تَصحيفات المحدثين، لأبي أحمد العَسكري (1/ 358).
(559) حديث صحيح. أخرجه الترمذي (رقم: 2657) وأبو يعلى (9/ 198 رقم: 5296) والبزار (5/ 382 رقم: 2014) وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1/ 1 / 9، 10) والرامهرمزي في " المحدث الفاصل " (ص: 166) والهيثم الشاشي في " مسنده " (رقم: 276) وابن حبان (رقم: 66، 68) وأبو عمرو المديني في " جزء حديث: نضَر الله امرأ سمع مقالتي " (رقم: 1، 2) والخليلي في " الإرشاد " (2/ 698 _ 699) من طُرق عِدة عن سِماك بن حربٍ، قال: سمعت عبدَ الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، به. رواه عن سماك من الثقات: شُعبة بن الحجاج، وعلي بن صالح، وحماد بن سلمة، وإسرائيل بن يونس، وعمرْو بن أبي قيس.
وسماك صدوق جيد الحديث في غير روايته عن عكرمة مولى ابنِ عباس.
تابعه عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، به.
أخرجه البزار (5/ 385 رقم: 2019) وابن عدي في " الكامل " (8/ 223) من طريقين عن مِهران بن أبي عُمر، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الملك.
قلت: وهذه طريقٌ حسنة، طريق البزار عن مِهران صحيح، ومِهران صدوق فيه لين، ومن فوقه ثقات، وإن كانَ قد أغرب بهذا عن إسماعيل بن أبي خالد.
¥