3. قال الحافظ ابن كثير: ثم حكى-أي ابن الصلاح- أن الأمة تلقت هاذين الكتابين- يعني البخاري ومسلم- بالقبول، سوى أحرف يسيرة انتقدها بعض الحفاظ، كالدارقطني وغيره، ثم استنبط من ذلك القطع بصحة ما فيها من الأحاديث لأن الأمة معصومة عن الخطأ، فما ظنت صحته ووجب عليه العمل به لا بد وأن يكون صحيحا في نفس الأمر، وهذا جيد.
4. وحكى النووي كلام ابن الصلاح في تصحيح ما حكم مسلم بصحته، وأقره النووي.
5. قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله:" الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين، ومن اهتدى بهديهم وتبعهم على بصيرة من الأمر أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها، ليس في واحد منها مطعن أو ضعف، وإنما انتقد الدارقطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ في الصحة الدرجة العليا التي التزمها كل واحد منهما في كتابه، وأما صحة الحديث في نفسه فلم يخالف أحد فيها. فلا يهولنك إرجاف الرجفين، وزعم الزاعمين أن في الصحيحين أحاديث غير صحيحة، وتتبع الأحاديث التي تكلموا فيها، وانتقدها على القواعد الدقيقة التي سار عليها أئمة أهل العلم واحكم على بينة.
6. وأما شيخ الإسلام فكان دقيقا في حكمه كعادته رحمه الله فقال: أكثر متون الصحيحين متيقنة تلقاها أهل العلم بالحديث بالقبول والتصديق، وقال أيضا: كثير من متون الصحيحين متواتر اللفظ عند أهل العلم في الحديث، وإن لم يعرف غيرهم أنه متواتر، ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم علماء الحديث علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، تارة لتواتره عندهم وتارة لتلقي الأمة له بالقبول.
هل رواية مسلم عن راو يعتبر توثيقا له:
لما تقرر صحة متون صحيح مسلم في الجملة، كان من المناسب الحديث عن مسألة رواة مسلم وهل نحكم بتوثيق الراوي بمجرد وجوده في مسلم.
فنقول أما المقدمة فليست على شرط الصحيح أصلا حيث أن فيها آثارا ضعيفة وأسانيد منقطعة، قال ابن القيك في تقرير هذا الأمر: ولا يشك أهل الحديث في ذلك.
وأما الصحيح نفسه فإننا نجد فيه مائة وستين رجلا متكلما فيه إما لبدعة أو جهالة أو لمخالفة أو تدليس أو إرسال أو اختلاط. وهؤلاء الرواة انفرد مسلم بإخراج حديثهم دون البخاري. كما أن العلماء تكلموا في صحف أكثر منها مسلم في صحيحه كصحيفة أبي الزبير عن جابر، وسهيل عن أبيه عن أبي هريرة وحما بن سلمة عن ثابت عن أنس، والعلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة.
وأما أسباب وجود الرواة المتكلم فيهم في صحيح مسلم فهي:
السبب الأول: أن الأنظار تختلف فقد يضعف راو عند عالم ويرى آخر أنه ليس بضعيف، فالإمام مسلم إذا ترجح له توثيق راو فلا ينتقد عليه إذا أخرج له في صحيحه. قال العيني: في الصحيح جماعة جرحهم بعض المتقدمين وهو محمول على أنه لم يثبت جرحهم بشرطه، فإن الجرح لا يثبت إلا مفسرا مبين السبب عند الجمهور، ومثل ذلك ابن الصلاح بعكرمة وإسماعيل بن أبي أويس وعاصم بن علي وعمرو بن مرزوق وغيرهم. قال: واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم. قال: وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يقبل إلا إذا فسر سببه. ويحتمل أيضا أن يكون ذلك فيما بين الجارح سبب الجرح واستبان لمسلم بطلانه والله أعلم.
السبب الثاني: أن الإمام مسلم نص في مقدمة صحيحه أنه خرج في صحيحه عن القسم الأول: أهل الاستقامة في الحديث والإتقان لما نقلوا، قال: فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس اتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المتقدم قبلهم، على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم، كعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم وأضرابهم. فدل هذا على أن رواة الشواهد والمتابعات لم يشترط فيهم أن يكونوا في الثقة والحفظ كأهل الأصول.
¥