قُلْتُ: واقتصر الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ عَلَى ذِكْرِ اثْنَيْنِ مِنْ مُخَالِفِي زَائِدَةَ، وَيُزَادُ عَلَيْهِمَا: عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ (2650)، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ عِنْدَ ابْنِ الْمُنْذِرِ «الأَوْسَطُ» (1127)، وَمَكِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَلَخِيُّ عِنْدَ الْبَيْهَقِِيِّ «الْكُبْرَى» (2/ 217). فَهَؤُلاءِ - مَعَ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَرَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ - خَمْسَةٌ مِنَ الرُّفَعَاءِ رَوَوْهُ عَلَى الْجَادَّةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ عِمْرَانَ، وَهُمْ أَوْلَى بِالْحِفْظِ وَالضَّبْطِ مِنْ زَائِدَةَ وَحْدَهُ.
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[03 - 09 - 06, 04:06 ص]ـ
الأخ الفاضل سلمان الكندي. أيَّدَهُ اللهُ تَعَالَى بِتَوْفِيقِهِ.
قُلْتَ: ولا أظن أن يغفل طالب علم يشتغل بالحديث هذا الفرق، ولكن ثبت سماع الحسن من عمران بن حصين عند أحمد والبيهقي، وهما من أئمة الحديث، كما ثبت سماع الحسن من عمران عند الترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه، فاعتراضك وارد لمن يكتفي بمجرد الرؤية، ويثبت السماع على مجرد الرؤية، ولكن هنا ثبت سماع الحسن من عمران بن الحصين بروايته بصيغة التحديث، وأنا لم أثبت له السماع بمجرد الإدراك فقط.
ـــــــــــــــــــ
الْحَمْدُ للهِ الْهَادِي مَنْ اسْتَهَدَاهُ مَنَاهِجَ الْعِرْفَانِ. الْوَاقِي مَنْ اتَّقَاهُ مَزَالِقَ الشَّيْطَانِ. وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ الأَتَمَّانِ الأَكْمَلانِ عَلَى أَشْرَفِ وَأَكْرَمِ بَنِي الإِنْسَانِ. الَّذِي بَعَثَهُ رَبُّهُ بَأَصْدَقِ لَهْجَةٍ وَأَنْصَعِ بَيَانٍ.
إِنْ صَدَقَ ظَنُّكَ أَنَّهُ لَيْسَ يَغْفَلُ طَالِبُ الْعِلْمِ عَنِ الْفَرْقِ بَيْنِ الإِدْرَاكِ وَالسَّمَاعِ، وَأَنَّ أَوَّلَهُمَا لا يَسْتَلْزِمُ الثَّانِي وَلا يَقْتَضِيهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الضَّرُورَاتِ لَدِى الطَّالِبِ الْفَهِمِ، فَلَيْسَ مِنَ الْمَقْبُولِ أَنَّ نَحْتَجَّ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: «الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَدْرَكَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ إدْرَاكَا بَيِّنَاً، وَعَاصَرَهُ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ مُدَّةً طَوِيلَةً يُمْكِنُهُ السَّمَاعَ مِنْهُ بِلا شَكٍّ». إِذْ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا الاحْتِجَاجُ مَعَ الْعِلْمِ الضَّرُورِي الآنِفِ ذِكْرُهُ.
وَلا يَخْفَاكَ أنَّ فِي النُّقُولاتِ السَّابِقَةِ نَفْيُ السَّمَاعِ مَعَ ثُبُوتِ الرُّؤْيَةِ وَتَحَقُّقِهَا، وَكَذَلِكَ قَدْ يَثْبُتُ الإِدْرَاكُ وَتَنْتَفِى الرُّؤْيَةُ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الإِدْرَاكُ بِالْمُعَاصِرَةِ مِنْ غَيْرِ لِقَاءٍ، كَقَوْلِهِمْ «فُلانٌ أَدْرَكَ زَمَنَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلْقَهْ وَلَمْ يَرَه». وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تُحْمَلُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي تَرَاجِمِ هَذِهِ الْعُشَارِيَّةِ:
[1] الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ أَدْرَكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَه!.
[2] أبُو عُذْرَةَ أَدْرَكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَه!.
[3] أَوْسَطُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبَجَلِيًُّ أَدْرَكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَه!.
[4] ثُمَامَةُ بْنُ حَزَنٍ الْقُشَيْرِيُّ أَدْرَكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَه!.
[5] شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍّ الْمِذْحَجِيُّ أَدْرَكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَه!.
[6] شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ أبُو وَائِلٍ أَدْرَكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَه!.
[7] عَبْدُ اللهِ بْنُ عُكَيْمٍ الْجُهَنِيُّ أَدْرَكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَه!.
[8] أبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ أَدْرَكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَه!.
[9] غُنَيْمُ بْنُ قَيْسٍ أبُو الْعَنْبَرِ الْمَازِنِيُّ أَدْرَكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَه!.
[10] مُرَّةُ بْنُ شَرَاحِيلَ الْهَمْدَانِيُّ أَدْرَكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَه!.
ففي هَذَا التَّرْكِيبُ «أَدْرَكَه وَلَمْ يَرَه» يَبِينُ بِوُضُوحٍ أنَّ الرُّؤْيَةَ أَعْلَى مِنَ الإِدْرَاكِ الْحَاصِلِ بِمُجَرْدٍ الْمُعَاصَرَةِ وَالْمُزَامَنَةِ، وَبِانْتِفَائِهَا مَعَ ثُبُوتِهِ يَنْتَفِي السَّمَاعُ قَطْعَاً.
وَأَمَّا إِذَا حَصَلَ الإِدْرَاكُ وَالرُّؤْيَةُ مَعَاً، فَهَاهُنَا يَقَعُ التَّرَدُّدُ فِي إِثْبَاتِ السَّمَاعِ، وَلا يُمْكُنُ الْجَزَمَ بِثُبُوتِهِ إِلا بِدَلِيلٍ صَرِيحٍ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ. وَمَسْأَلَةُ سَمَاعِ الْحَسَن ِمِنْ عِمْرَانَ بِهَذِهِ السَّبِيلِ.
وَاللهُ الْمُوَفِّقُ وَالْهَادِي إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ.
¥