تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

خامساً: إن ما تعقب به الشيخ سليمان على شيخ الإسلام في إيراده لبعض الأحاديث والآثار، غير معزوة إلى من أخرجها، هذا لا يقلل من إمامة شيخ الإسلام، ومنزلة (كتاب التوحيد) وذلك أن شيخ الإسلام قد يُعتذر له في ذلك، فهذا حفيده وشارح كتابه الشيخ سليمان يعذره في ذلك، فيقول كما في المثال الثالث: (قد بَيَّض المصنف رحمه الله بعد هذا، ولعله أراد أن يكتب تمام الحديث ومن رواه …)، ويقول أيضاً كما في المثال السادس: (قد بَيَّض المصنف آخر هذا الحديث ليعزوه) فالشيخ سليمان إذن بَيّنَ أن شيخ الإسلام قد بَيَّض لبعض الأحاديث ليعزوها إلى من أخرجها، ويلاحظ أن الشيخ سليمان عند تعقبه على شيخ الإسلام، لم يبُين السبب، في إيراد شيخ الإسلام لبعض الأحاديث والآثار غير معزوة، مع أنه اعتذر له، ومن عادة الشيخ سليمان أنه عندما يعتذر لشيخ الإسلام في بعض الأَمثلة، نراه يظهر أَسباب ذلك.

وأقول: لعل السبب في ذلك، هو أن شيخ الإسلام لم تتوفر عنده بعض المراجع الحديثية وقت كتابته لهذه الأحاديث والآثار؛ وذلك أن الشيخ صنَّف (كتاب التوحيد) وجمع مادته في مدينة البصرة، يقول الإمام عبد الرحمن بن حسن: (صنَّف في البصرة كتاب التوحيد أخذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث) ()، أو لعل السبب في ذلك أن شيخ الإسلام كتب بعض الأحاديث والآثار من حفظه، إلا أنه ذهل عَمَّن أخرجها أو نَسي ذلك، فبيَّض لها لإتمام ذلك لاحقاً، إلا أنَّ المنية اخترمته قبل إِتمام هذا.

وهذه الأحاديث التي أوردها شيخ الإسلام غير معزوة ليست بتلك الأحاديث الكثيرة، بل هي قليلة جداً، فهي مع ما ذكرنا تسعة أحاديث فقط ()، وكذلك هذا بالنسبة للآثار هي قليلة أَيضاً، فبلغت مع ما ذكرنا أحد عشر أثراً ().

وكما أسلفنا هذا لا ينقص من إمامة شيخ الإسلام، ومنزلة (كتاب التوحيد) وقد وقع كثير من الأئمة في مثل هذا، فتجدهم في كثير من مصنفاتهم قد يوردون بعض الأحاديث أو الآثار، غير معزوة إلى من أخرجها، فقد وَقَعَ هذا للإمام الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، في كتابه (عمدة الأحكام الكبرى) () وكذلك وقع هذا للإمام ابن دقيق العيد في كتابه (الإمام في معرفة أحاديث الأحكام) () وأيضاً وَقَعَ في هذا الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني في كتابه (إرواء الغليل) ().

الثاني: تعقبه في عزوه لبعض الأحاديث والروايات، إلى بعض المصادر وهم لم يخرجوها.

وهذا له أمثلة منها:

1 – أورد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب حديثاً في كتاب (التوحيد) باب: ما جاء في السحر، فقال: (وفي «صحيح البخاري» عن بَجَالَة بن عَبَدَة () قال: كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كلَّ ساحرٍ وساحرة. قال: فقتلنا ثَلاَثَ سَواحِرٍ).

قال الشيخ سليمان: (هذا الأثر رواه البخاري كما ذكره المصنف، لكنه لم يذكر قتل السحرة. وعلى هذا فعزو المصنف إلى البخاري يحتمل أنه أراد أصله لا لفظه…) ().

قلت: ما ذكره الشيخ سليمان في تعقبه على شيخ الإسلام، بأَنَّ هذا الأثر رواه البخاري لكنَّه لم يذكر (قتل السحرة) هذا هو الصحيح، ولتأكيد هذا عملياً أورد الشيخ سليمان لفظ البخاري بتمامه.

ولإجلال الشيخ سليمان لأهل العلم الكبار، ومعرفته لقدرهم ومكانتهم، اعتذر في هذا لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، فقال: (وعلى هذا فعزو المصنف إلى البخاري يحتمل أنه أَراد أَصله لا لفظه).

وقد فات الشيخ عثمان بن منصور في شرحه لكتاب التوحيد أن ينبه على ذلك ().

إنَّ اعتذار الشيخ سليمان لشيخ الإسلام، فيه وجاهة ودراية، ومعرفة بأصول التخريج ومناهج القوم.

ومن نظر في بعض مصنفات أَئمة الحديث وجد أَنَّ بعضهم عند عزوه للبخاري، أو لمسلم، أو لبعض أصحاب السنن، قد يريد بذلك أصل الحديث ومعناه، لا أنهم أخرجوه بلفظه؛ ولذلك نجد بعض الزيادة والاختصار، أو اختلاف في الألفاظ، وهذا يراه البصير، كما في (الترغيب والترهيب) للحافظ المنذري، و (شرح السنة) للبغوي، و (السنن الكبير)، و (معرفة السنن والآثار) للبيهقي، و (جامع الأُصول) لابن الأثير، بل بعض أهل الحديث، يصرِّح في بعض كتبه أنه عند عزوه الحديث لمن خَرَّجه، فإنما يريد أصل الحديث لا لفظه، فهذا الحافظ العراقي يقول في بعض كتبه: (وحيث عزوت الحديث لمن خَرَّجه فإنما أُريد أصل الحديث لا ذلك اللفظ، على قاعدة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير