المستخرجات) () ويقول في موضع آخر: (وحيث عزوت الحديث لمن خَرَّجه من الأَئمة فلا أريد ذلك اللفظ بعينه بل قد يكون بلفظه، وقد يكون بمعناه، أو باختلاف على قاعدة المستخرجات) ().
ويقول ابن الأثير في بعض كتبه: (وعَوَّلت في المحافظة على ألفاظ البخاري ومسلم، أكثر من غيرهما من باقي الأئمة الأربعة) () يعني أنه قد يروي ألفاظ السنن الأربعة بلفظها، أو بنحوها، أو فيها اختلاف.
ولقد اعتنى أهل الحديث في مصنفاتهم ببيان ذلك، وهذا عند ذكرهم للمستخرجات، قال الإمام أبو عمرو ابن الصلاح: (ما أخرجه المؤلفون في تصانيفهم المستقلة، كالسنن الكبير للبيهقي، وشرح السنة لأبي محمد البغوي، وغيرهما مما قالوا فيه «أخرجه البخاري أو مسلم» فلا يستفاد بذلك أكثر من أن البخاري أو مسلماً، أخرج أصل ذلك الحديث، مع احتمال أن يكون بينهما تفاوت في اللفظ، وربما كان تفاوتاً في بعض المعنى، فقد وجدت في ذلك ما فيه بعض التفاوت من حيث المعنى، وإذا كان الأمر في ذلك على هذا، فليس لك أن تنقل حديثاً منها وتقول هو على هذا الوجه في كتاب البخاري، أو كتاب مسلم، إلا أن تُقَابل لفظه، أو يكون الذي خَرَّجه قد، قال أخرجه البخاري بهذا اللفظ) (). وإذا كان الشيخ سليمان قد اعتذر لشيخ الإسلام، بأن عزوه إلى البخاري يحتمل أنه أراد أصله لا لفظه، فإن بعض أهل الحديث يشدد في هذا ولا يرى عذراً للفقيه، أن يَستدل بلفظة من الحديث، وقد عزا الحديث إلى أحد الكتب، وعند النظر لا نجد تلك اللفظة قد ذكرت في ذلك الكتاب الذي عُزِيَ إليه، وصنيع شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في هذا الحديث قريبٌ من هذا، وقد تكلَّم الإمام ابن دقيق العيد بكلام نفيس حول هذا، فقال رحمه الله:
(ينبغي للفقيه المُستدل بلفظة من الحديث، ونَسَبَ الحديث إلى كتاب أن تكون تلك اللفظة التي تدل على ذلك الحكم، موجودة في ذلك الكتاب بعينها، فلا يُعذر في هذا كما يعذر المحدث؛ لأن صناعته تقتضي النظر إلى مدلول الألفاظ، وأكثر نَظر المحدث فيها يتعلق بالأسانيد ومخارج الحديث، فالفقيه إذا قال: أَخرجه فلان ولم تكن تلك اللفظة التي هي عمدة دليله، موجودة في تلك الكتب، كان مُتسامحاً أو مخطئاً) ().
وقد يعتذر لشيخ الإسلام في وهمه في هذا الحديث، بأنه ربما نقل هذا من غيره، وهذا يقع كثيراً لبعض أهل العلم، فترى بعض العلماء قد يقلد أو ينقل من عالم آخر في تخريجه للأحاديث، بل والحكم عليها فيقع هذا الناقل في بعض الأَوهام والأخطاء دون أن يشعر؛ وذلك لنقله من غيره دون التحقيق والبحث. ومما يعتذر لشيخ الإسلام أيضاً، هو أن (قتل السحرة) جاء في مسند الإمام أحمد، وسنن أَبي داود، ومسند أبي يعلى، والسنن الكبير للبيهقي وغير ذلك، فلعل شيخ الإسلام ظنَّ على الجادة، بأن ذلك أيضاً قد أخرجه البخاري، وهذا يقع كثيراً لأهل العلم، خاصة إذا ذكروا الأحاديث من حفظهم.
2 – أورد شيخ الإسلام حديثاً، فقال: (روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من أتى عَرَّافاً فسأَله عن شيءٍ فَصدَّقه، لم تُقبل له صلاةٌ أَربعينَ يوماً».
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: (هذا الحديث رواه مسلم كما قال المصنف، ولفظه: عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى عَرَّافاً فسأَله عن شيءٍ، لم تقبل له صلاةٌ أربعينَ يوماً وليلة» () هكذا رواه، وليس فيه «فصدقه») ().
في هذا المثال أظهر الشيخ سليمان دقته في تتبع ألفاظ الحديث، ومقابلتها بما جاء في الكتب التي عُزيت إليها، ولهذا تعقب الشيخ على شيخ الإسلام في هذا الحديث، فأورد لفظ مسلم، ثم بيَّن أنه ليس في (صحيح مسلم) لفظة (فصدَّقه) وهذا هو الصحيح.
وقد فات الشيخ عثمان بن منصور في شرحه لكتاب التوحيد أن ينبه على ذلك ()،ووافق شيخ الإسلام.
وقد جاءت هذه اللفظة عند الإمام أحمد، قال رحمه الله: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عُبيد الله قال: حدثني نافع، عن صفيَّة، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى عَرَّافاً فصَدَّقهُ بما يقول، لم تُقبل له صلاةٌ أَربعينَ يوماً» ().
¥