تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: هذا الحديث أخرجه بهذا اللفظ الطيالسي ()، وأحمد ()، وأبو داود ()، والترمذي ()، والنسائي ()، وابن ماجه ()، مختصراً ولفظه: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زَوَّارات القبور»، من طريق محمد بن جُحَادة، عن أبي صالح، عن ابن عباس مرفوعاً.

وهذا إسناد ضعيف لأمرين، الأول أبو صالح واسمه بَاذَانْ ويقال: بَاذَانْ مولى أم هانئ بنت أبي طالب، (فقد ترك حديثه ابن مهدي، وقال النسائي: ليس بثقة، وكذَّبه غير واحد، وقال الحافظ ابن حجر: وثقه العجلي وحده) ().

والثاني: أنه لم يسمع من ابن عباس، قال الحافظ ابن رجب (): (قال مسلم في «كتاب التفصيل»: هذا الحديث ليس بثابت، وأبو صالح بَاذَانْ قد اتقى الناس حديثه، ولا يثبت له سماع من ابن عباس) وقال ابن حبان (): (يحدث عن ابن عباس ولم يسمع منه).

والحديث على هذا ضعيف جداً، وفي الأحاديث الثابتة ما يغني عنه، فقد جاء لعن زائرات القبور في كثير من الأحاديث، منها ما رواه الترمذي ()، وابن ماجه ()، وغيرهما، من طريق عمر بن أبي سَلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زَوَّاراتِ القُبورِ» وهذا إسناد حسن لأجل عمر بن أبي سلمة، فقد اختلف فيه، والأرجح ما قاله الحافظ ابن حجر، بأنه (صدوق يخطئ) ()، وقد قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح،وحسَّنه الشيخ الألباني ().

وأما لعن المُتَّخذينَ على القبور مساجد، فهو متواتر عنه صلى الله عليه وسلم، ويكفي فيه ما رواه البخاري ()، ومسلم ()، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرضه الذي مات فيه «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قالت: لولا ذَاك لأَبرزُوا قَبرهُ، غير أنه خَشِيَ أن يُتَّخذَ مسجداً».

إن في تعقب الشيخ سليمان على شيخ الإسلام بأن هذا الحديث لم يروه النسائي، هو وهم كما تقدم بيانه عند تخريج الحديث، ولعل الشيخ سليمان نقل ذلك من غيره، أو أنه ذهل عن ذلك،واشتبه عليه الأمر؛ وذلك أن أحاديث نهي النساء عن زيارة القبور، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد كثيرة، وقد أخرجها عدد من الأئمة في الصحيح والسنن والمسانيد، فالباحث قد يذهل و يشتبه عليه الأمر في بعض من أخرج الحديث، وهذا الشيخ الألباني على سعة علمه يقول في تخريجه لهذا الحديث: (أخرجه أصحاب «السنن الأربعة» إلا ابن ماجه) ()، وهذا وهم من الشيخ، فقد أخرجه ابن ماجه، ولكن مختصراً، كما تقدم بيانه.

7 – أورد شيخ الإسلام حديثاً في كتاب التوحيد، باب ما جاء في الكُهَّان ونحوهم، فقال: (وللأربعة والحاكم وقال: صحيح على شرطهما عن… «من أتى عَرَّافاً أو كاهناً فَصَدَّقهُ بما يقولُ، فقد كَفَرَ بما أُنزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم» ().

قال الشيخ سليمان: (… عزو المصنف إلى الأَربعة ليس كذلك، فإنه لم يروه أحدٌ منهم، وأَظنُّه تبع في ذلك الحافظ، فإنه عَزاه في (الفتح) إلى أصحاب السنن والحاكم فوهم، ولعله أراد الذي قبله) ().

قلت: هذا الحديث لم يخرجه أصحاب (السنن الأربعة) كما تقدم بيانه في تخريج الحديث، وعلى هذا يتبين لنا صحة ما تعقب به الشيخ سليمان على شيخ الإسلام، في قوله: (عزو المصنف إلى الأربعة ليس كذلك، فإنه لم يروه أحد منهم) ثم اعتذر الشيخ سليمان في هذا – كعادته – لشيخ الإسلام فقال: (وأَظنُّه تبع في ذلك الحافظ فإنه عزاه في «الفتح» إلى أصحاب السنن والحاكم فَوِهم) وهذا هو الصحيح، وهذه عبارة الحافظ ابن حجر بتمامها، حيث قال وهو يتكلم عن الكَهَانة:

(وورد في ذم الكَهَانة، ما أخرجه أصحاب السنن، وصححه الحاكم، من حديث أبي هريرة رفعه «من أتى كاهناً أو عَرَّافاً، فصدَّقهُ بما يقولُ، فقد كَفَرَ بما أُنزلَ على محمدٍ» ().

وقد فات الشيخ عثمان بن منصور في شرحه لكتاب التوحيد، أن ينبه على ذلك، ووافق الإمام محمد بن عبد الوهاب ().

إن تعقب الشيخ سليمان في هذا الحديث على شيخ الإسلام محمد بن

عبد الوهاب والحافظ ابن حجر، فيه دلالات كثيرة منها:

أ - عدم تقليد الشيخ سليمان لما يعزوه شيخ الإسلام، وهذا هو شأن العالم المحدث، ولم أجد حسب علمي، من يشارك الشيخ في هذا من أئمة الدعوة، وذلك أنَّ كثيراً من أئمة الدعوة يقلدون شيخ الإسلام في تخريج الأحاديث.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير