ب - التأكيد على ما أسلفناه من اعتذار الشيخ سليمان لشيخ الإسلام، بعذر فيه وجاهة ودراية حيث قال: (وأظنه تبع في ذلك الحافظ) فلم يقل أخطأَ شيخ الإسلام، بل اعتذر له مما يدل على معرفة الشيخ لمنزلة العلماء وقدرهم.
ج - فيه دلالة على عدم تقليد الشيخ سليمان للحافظ ابن حجر، في تخريج الأحاديث، مع أنه أكثر النقل عنه في كثيرٍ من المواضع. وهذا يدل على المنهجية التي يسير عليها الشيخ في نقله من الحافظ ابن حجر، فليس مجرد ناقل، بل ناقل وناقد.
8 – أورد شيخ الإسلام حديثاً في كتاب التوحيد، باب ما جاء في الاستسقاء بالأَنواء، فقال: (ولهما من حديث ابن عباس معناه. وفيه قال بعضهم: لقد صدق نَوءُ كذا وكذا، فأَنزل الله هذه الآية: (فلا أقُسم بمواقع النجوم) إلى قوله: (تُكذبون).
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: (قوله:ولهما. الحديث لمسلم فقط ()، ولفظه عن ابن عباس قال: «مُطِرَ الناسُ على عهدِ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أَصْبَحَ من الناس شَاكرٌ ومنهم كافرٌ، قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نَوءُ () كذا، قال فنزلت هذه الآية (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) حتى بلغ (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) () (الواقعة 75 - 82).
قلت: أصاب الشيخ سليمان في تعقبه على شيخ الإسلام، بأَنَّ هذا الحديث ليس متفقاً عليه بل أخرجه مسلم فقط، ولعل شيخ الإسلام لما أَورد الحديث الذي قبل هذا، وهو حديث زيد بن خالد،وقوله: (ولهما عن زيد بن خالد…) ظَنَّ أَنَّ حديث ابن عباس، الذي هو بمعنى حديث زيد بن خالد متفق عليه أيضاً، وهذا قد يقع فيه بعض أهل العلم، بالنسبة للأحاديث المشتركة في معنى واحد.
وهذا التعقب يدل على استحضار الشيخ لصحيح البخاري ومسلم، والدقة في معرفة ما اتفقا على إخراجه،وما تفرَّد به كل واحد منهما.
هذا وقد تعقب الشيخ عثمان بن منصور، في شرحه على كتاب التوحيد، عزو شيخ الإسلام الحديثَ للصحيحين فقال: «ذكر هنا الشيخ، أنه أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ولم أره في الصحيحين ولا معناه من حديث ابن عباس، وإنما روى معناه إمام المفسرين محمد بن جرير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، بسند صحيح إليه، فالظاهر أن نسبة حديث ابن عباس، هذا الذي عزاه المصنف إلى الصحيحين وَهْم ممن نقله عنه، لأن غالب ما يورد في هذا الكتاب إنما هو نقل عن غيره ممن يثق به، وذلك جائز عند جمهور العلماء رحمهم الله تعالى» ().
قلت: وهم الشيخ عثمان بن منصور – رحمه الله – وتكلَّف، فالحديث أخرجه مسلم، كما ذكره الشيخ سليمان.
9 – أورد شيخ الإسلام حديثاً في كتاب التوحيد، باب ما جاء في مُنكري القدر، فقال: (وفي المسند) و (السنن) عن ابن الدَّيْلَمِي () قال: «أتيتُ أُبي بن كعب، فقلت: في نفسي شيءٌ من القدر، فحدثني بشيءٍ لعل الله يُذهبهُ من قلبي. فقال: لو انفقت مِثْلَ أُحدٍ ذهباً ما قَبله الله منكَ حتى تؤمنَ بالقدرِ، وتَعلمَ أن ما أَصابكَ لم يكن ليُخطئكَ، وما أَخطأكَ لم يكن ليصيبكَ، ولو مِتَّ على غير هذا لكنتَ من أَهلِ النارِ. قال: فأَتيت عبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وزيد ثابت، كلهم حَدَّثني بمثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم»).
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: (قوله: وفي «المسند» أي «مسند الإمام أحمد» و «السنن» أي «سنن أبي داود» وابن ماجه فقط) ().
قلت: هذا الحديث جاء موقوفاً من حديث أبُي بن كعب وابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، ومرفوعاً من حديث زيد بن ثابت، وقد أَخرجه أحمد ()، وعبد بن حميد ()،وأبو داود ()،وابن ماجه ()،وابن حبان ()،والبيهقي ()، من طرق عن أبي سِنَان، عن وهب بن خالد الحِمْصِي، عن ابن الدَّيْلَمِي، وذكر الحديث.
¥