وهذا إسناد صحيح ورجاله ثقات، وأبو سِنَان هو سعيد بن سِنَان البُرجُمِي، قال الحافظ (): (قال ابن معين ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة وقال أبو داود: ثقة من رفعاء الناس، وقال النسائي: ليس به باس، ووثقه يعقوب بن سفيان والدراقطني) وعليه فقول الحافظ بأنه (صدوق له أوهام) () فيه نظر. ورواه الآجري () من طريق عبد الله بن صالح عن أبي الزَاهِريَّة، عن كثير بن مُرَّة، عن ابن الدَّيلَمِي، أنه لقي زيد بن ثابت، وذكر الحديث مختصراً.
هذا إسناد حسن، لأجل عبد الله بن صالح كاتب الليث، فهو صدوق كثير الغلط، كما قاله الحافظ ()، ولكن لا بأس به في الشواهد والمتابعات، وقال الهيثمي: (رواه الطبراني بإسنادين ورجال هذا الطريق ثقات) ().
والحديث بمجموع هذه الطرق صحيح.
وبعد تخريج هذا الحديث تَبين لنا صحة ما تعقب به الشيخ سليمان على شيخ الإسلام، في أَنَّ هذا الحديث لم يخرجه من أصحاب السنن إلا أبو داود وابن ماجه.
وقد فات الشيخ عثمان بن منصور، في شرحه لكتاب التوحيد، أَن ينبه على ذلك، ووافق شيخ الإسلام بأَنَّ الحديث أَخرجه أصحاب السنن ().
الثالث: تعقبه في عزوه لبعض الأحاديث والآثار إلى بعض الصحابة وهي لغيرهم، وهذا له أمثلة:
1 – أورد شيخ الإسلام حديثاً في كتاب التوحيد، باب ما جاء في التطير، فقال: (ولأبي داود بسند صحيح، عن عُقبة بن عامر قال: ذكرت الطِّيَرَة () عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أحسنها الفأَلُ، ولا تَرُدُّ مُسلماً، فإذا رأى أحدكم ما يَكرهُ فليقل: اللهم لا يَأَتي بالحسناتِ إلا أنتَ، ولا يَدفعُ السيئاتِ إلا أنتَ، ولا حول ولا قوةَ إلا باللهِ»).
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: (قوله: عن عُقبة بن عامر، هكذا وقع في نسخ التوحيد، وصوابه عروة بن عامر ()، كذا أخرجه أحمد، وأبو داود وغيرهما) () ثم أورد الشيخ ترجمته.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود ()،وابن أبي شيبة ()،وابن السُنِّي ()، والبيهقي ()، من طريق حَبيب بن أبي ثابت، عن عروة بن عامر قال: وذكر الحديث.
وهذا إسناد ضعيف، لسببين، الأول: حبيب بن أبي ثابت، وإن كان ثقة، إلا أنه كثير الإرسال والتدليس، ولم يصرح بالتحديث، والثاني: الاختلاف في صحبة عروة بن عامر، قال يحيى بن معين ()، وعلاء الدين مُغْلطاي ()، والمزي () وغيرهم: ليس له صحبة، وقال بعضهم له صحبة.
ولعل الأرجح أنه ليس له صحبة؛ لقول الأكثر. وقال الحافظ (): (الظاهر أَنَّ رواية حبيب عنه منقطعة) وعلى هذا فالحديث ضعيف، ووَهِم الشيخ سليمان في عزوه الحديث لأحمد.
ومن خلال تخريج هذا الحديث، يتبين لنا صحة ما استدركه الشيخ سيلمان على (كتاب التوحيد)، وأن الصواب في راوي الحديث أنه (عروة ابن عامر) لا (عُقبة بن عامر)،واستدل الشيخ على ذلك بواسطة تخريجه للحديث، وهذا يدل على دقة الشيخ، والمنهج الحديثي الذي يسير عليه، عند تخريجه للأحاديث.
وأيضاً من دقة الشيخ سليمان أنه لم ينسب الوهم لشيخ الإسلام مباشرة، بل قال (هكذا وقع في نسخ التوحيد) وهذا يشعر بأَنَّ هذا الوهم أو التصحيف، وقع من بعض النُّسَاخ، فقد جاء عند ابن السُنِّي، وعند النووي في الأذكار () (عقبة بن عامر)، وهذا يدل على أن هذا الوهم وقع في بعض المصادر، فليس هو فقط في نُسخ (كتاب التوحيد)، بل هو متقدم.
وقد يقول قائل ما الذي يَترتب على أن راوي هذا الحديث هو (عقبة بن عامر) أو (عروة بن عامر) قلت: الذي يترتب على هذا، هو أَنَّ عُقبة بن عامر الجُهنِي صحابي مشهور، أما عروة بن عامر، فهو مختلف في صحبته، وهذا له أَثره في درجة حديثهما.
وقد فات الشيخ عثمان بن منصور في شرحه لكتاب التوحيد أن يُنبه على ذلك، ووافق الإمام محمد بن عبد الوهاب بأَنَّ راوي الحديث هو عقبة بن عامر، بل قد ترجم له ()!!
2 – أورد شيخ الإسلام حديثاً في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون) [البقرة: 23].
فقال: (وعن عمر بن الخطاب، أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حَلَفَ بغير الله فقد كفر أو أَشرك» رواه الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم).
¥