في هذا المثال استدرك الشيخ، على شيخ الإسلام في قوله: (ولابن ماجه عن الطُّفَيل…) وذكر الحديث مطولاً، بيَّن الشيخ في استدراكه هذا أن الحديث لم يروه ابن ماجه بهذا اللفظ عن الطُّفيل، إنما رواه عن حذيفة، ثم أَورد الشيخ سليمان حديث حذيفة بن اليمان سنداً ومتناً، ثم بيَّن الشيخ بعد هذا كيف أخرج ابن ماجه حديث الطُّفَيل، وأنه ساق إسناده دون متنه، ومن دقة الشيخ أيضاً زيادة على ما ذكره، أَنَّه بيَّن أن هذا الحديث الذي ذكره شيخ الإِسلام، وعزاه لابن ماجه، لم يخرجه ابن ماجه بهذا اللفظ، لكن أخرجه الإمام أحمد والطبراني، بنحوٍ مما ذكره شيخ الإسلام. وكل هذا يدل على دقة الشيخ سليمان في استدراكه على شيخ الإسلام.
وقد فات الشيخ عثمان بن منصور، في شرحه لكتاب التوحيد أن ينبه على ذلك ()، ووافق الإمام محمد بن عبد الوهاب، بأَنَّ هذا الحديث رواه ابن ماجه بهذا اللفظ عن الطُّفَيل.
4 – أورد شيخ الإسلام أثراً في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (ولله الأَسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه) [الأعراف:180] فقال: (ذكر ابن أبي حاتم، عن ابن عباس: يُلحِدون في أسمائه: يُشركون).
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: (هذا الأثر لم يروه ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، إنما رواه عن قتادة، فاعلم ذلك) ().
قلت: هذا الأثر مشهور في كتب التفاسير المسندة وغيرها، أنه من قول قتادة، لا من قول ابن عباس، وقد أَخرجه عبد الرزاق ()، وعبد بن حميد ()، وابن جرير ()، وابن أبي حاتم ()، وهذا إسناد ابن جرير، وابن أبي حاتم قالا: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قوله (يُلحِدون) قال: يُشركون.
وهذا إسناد صحيح ورجاله ثقات.
وقد أَخرج ابن جرير ()،وابن المنذر ()،وابن أبي حاتم ()،من طريق عبد الله ابن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة ()، عن ابن عباس: قوله: (الذين يُلحِدون في أسمائه): التكذيب، فهذا هو الذي ذكره ابن عباس.
وهذا الإسناد فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، وإن كان ثبتاً في كتابه، وأيضاً قال العلائي: (قال دُحيم: لم يَسمع علي بن أبي طلحة التفسير من ابن عباس، وقال أبو حاتم علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس مرسل إنما يروي عن مجاهد، والقاسم بن محمد) () وقال الحافظ أبو يعلى الخليلي: (أجمع الحفاظ على أَنَّ ابن أبي طلحة لم يسمعه من ابن عباس) () ومع انقطاع صحيفة علي بن أبي طلحة، إلا أن أهل العلم اعتمدوها.
إن ما تعقب به الشيخ سليمان على شيخ الإسلام في هذا الأَثر، بأن راويه هو قتادة، لا عبد الله بن عباس هو الصحيح، وهذا المثال يدل على المنهجية الحديثية التي يسير عليها الشيخ، فكما أن الشيخ له عنايته التامة بتخريج الأحاديث وعزوها إلى مصادرها، كذلك هذا في الآثار لا فرق عند الشيخ بينهما، ولهذا استدرك على شيخ الإسلام، والشيخ في هذا يسير على منهج أهل الحديث، إذ أن الغالب على الفقهاء عدم العناية بتخريج الآثار، والتدقيق في صحة نسبتها إلى قائلها.
وقد يقول قائل ما الفرق بين أن يكون قائل هذا الأثر قتادة، أو عبد الله بن عباس؟ فنقول: الفرق كبير جداً وله أهميته البالغة، قال أبو عبد الله الحاكم: (ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند) () يعني له حكم المرفوع، وقال الحافظ: (وتفاسير الصحابة عند جمهور الأئمة المتقدمين على ما نقله الحاكم أبو عبد الله محمولة على الرفع، وبعض المحققين حمل ذلك على ما يتعلق بأسباب النزول وما أشبهها) ().
وبهذا يظهر الفرق بين قول الصحابي، والتابعي في تفسير الآيات، فقول الصحابي قد يُحمل على الرفع، وأما قول التابعي فيستأنس به.
هذا وقد فات الشيخ عثمان بن منصور في شرحه لكتاب التوحيد، أن ينبه على أن هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم عن قتادة، لا عن عبد الله بن عباس، وتبع في هذا الوهم الإمام محمد بن عبد الوهاب ().
الرابع: تعقبه في إيراده لبعض الأحاديث، دون ذكر رواتها من الصحابة:
وهذا له أمثلة:
1 – أورد شيخ الإسلام حديثاً في كتاب التوحيد، باب الخوف من الشرك، فقال: (وفي الحديث «أخوفُ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغرُ، فسُئل عنهُ، فقال: «الرِّياء») ().
¥