وقد يُعتذر لهم في ذلك إلى أنَّهم كتبوا هذه الأحاديث من حفظهم، ولم يُسعفهم الحفظ على ذكر الصحابي، ومن أَخرج الحديث، أو ربما نقلوا ذلك من كتب بعض أهل العلم، وكل هذا يعرفه من نظر في كتب أهل العلم.
وزيادة على ما ذكره الشيخ سليمان أقول: قد يعتذر للإمام محمد بن عبد الوهاب، بأنه أراد مراجعة كل ما نقص في الأحاديث، من جهة التخريج وغيره، إلا أن المنية اخترمته قبل إتمام هذا، ولذلك بَيَّض في بعض المواضع، وقد تقدم الإعتذار لشيخ الإسلام بنحوٍ من هذا، مبسوطاً في التعقب الأول ().
الخامس: تعقبه في إيراده لبعض الأحاديث، من غير بيان هل هي موقوفة أو مرفوعة:
مثاله: أورد شيخ الإسلام حديثاً في كتاب التوحيد، باب بيان شيءٍ من أنواع السحر، فقال: (وللنسائي من حديث أبي هريرة «مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثم نَفَثَ فيها، فقد سَحَرْ، ومن سَحَرَ، فقد أَشْرَكْ، ومن تَعَلَّقَ شيئاً، وُكِلَ إِليه»).
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: (هذا الحديث ذكره المصنف من حديث أبي هريرة، وعزاه للنسائي ولم يُبيِّن هل هو موقوف أو مرفوع؟، وقد رواه النسائي مرفوعاً، وذكر المصنف عن الذهبي أنه قال: لا يصح، وحسنه ابن مفلح) ().
قلت: هذا الحديث أخرجه النسائي ()، والطبراني ()، والمزي ()، وابن عدي ()، لكن بدون قوله (ومَنْ تَعَلَّقَ شيئاً وُكِلَ إليه) من طريق عَبَّاد بن مَيْسَرة المَنْقَرِي، عن الحسن، عن أبي هريرة مرفوعاً.
قلت: هذا إسناد ضعيف لسببين: الأول: ضعف عَبَّاد بن مَيْسَرة؛ قال الحافظ: (ضعفه أحمد، وقال أبو داود: ليس بالقوي) ()، وقال الحافظ في موضع: (لين الحديث) ()،والثاني: الانقطاع؛ لأن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، قال العلائي: (قال أيوب وعلي، وبَهْز بن أسد، لم يَسمع الحسن من أبي هريرة، وقال يونس بن عبيد: ما رآه قط، وذكر أبو زرعة، وأبو حاتم: أن من قال عن الحسن حدثنا أبو هريرة فقد أخطأ) ().
وعلى هذا فالحديث ضعيف.
وقد قال الذهبي: (هذا حديث لا يصح للِين عَبَّاد، وانقطاعه) ()، وتعقبه ابن مُفلح ولم يصب، فقال: (وقال في الميزان: لا يصح للين عَبَّاد، وانقطاعه. كذا قال! وَيُتَوجَّه أنه حديث حسن) ().
ورواه عبد الرزاق، عن أبَان بن يزيد العطار، عن الحسن، يَرفع الحديث قال: (من عَقَدَ عُقْدةً فيها رُقْيَةٌ فقد سَحَرْ، ومن سَحَرَ فقد كَفر،ومن عَلَّق عَلَقَةً وُكِلَ إليها) ().
وهذا إسناد صحيح، فثبت بهذا أن أصل الحديث مُرسل، عن الحسن، ولعل عَبَّاداً أخطأ فوصله، وهكذا قال الشيخ جاسم الدوسري ().
إن ما تعقب به الشيخ سليمان على شيخ الإسلام بقوله:
(هذا الحديث ذكره المصنف من حديث أبي هريرة، وعزاه للنسائي، ولم يُبِّين هل هو موقوف أو مرفوع؟ وقد رواه النسائي مرفوعاً…).
هذا التعقب فيه نظر، وذلك أن شيخ الإسلام لم يَهِمْ في هذا؛ وذلك أن المتُبادر إلى الذهن، بل ومن سياق كلام شيخ الإسلام أنه يريد أن هذا الحديث يرويه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الشيخ عبد الله الجديع: «ما يضاف إلى صحابي أو تابعي، أو من بعدهم من الأخبار، يسمى «حديثاً» من حيث اللغة، لكن الاصطلاح جرى غالباً على إرادة ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، حتى صار يتبادر إلى الذِهن عند الإطلاق حين يقال مثلاً: «في المسألة حديث» أنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدفعاً للإيهام، لا ينبغي إطلاق لفظ «حديث» على غير ما وَرَدَ عن النبي صلى الله عليه وسلم» ().
وعلى ذلك فقول شيخ الإسلام: (والنسائي، من حديث أبي هريرة) هو مثل قوله: «في المسألة حديث» أو «دليل هذا حديث أبي هريرة» فكل هذا يُقصدُ به أنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإصطلاح جرى غالباً على هذا، فليس فيه إيهام بأنه موقوف أو نحوه.
وهذا التعقب من الشيخ سليمان لعل فيه دليلاً، على أنَّ الشيخ سليمان يرى أن «الحديث» لا يُطلق فقط على المرفوع، بل يطلق على المرفوع والموقوف، والمقطوع، ودليل هذا أنَّ الشيخ سليمان قال في تخريجه لهذا الحديث: (هذا الحديث ذكره المصنف من حديث أبي هريرة …) وقد ذهب إلى هذا بعض أهل الحديث.
قال السيوطي في ألفيته:
والمتنُ ما انتهى إليه السَّندُ
من الكلام والحديثَ قَيدُوا
بما أُضيف للنَّبيْ قولاً أو
¥