فعلاً وتقريراً ونحوها حكوا
وقِيلَ لا يَخْتَصُ بالمرفوعِ
بل جاء للموقُوف والَمقطوعِ
ثم قال في شرحه لها: (ذهبت طائفة إلى أنَّ الحديث يُطلق على غير المرفوع أيضاً من الموقوف والمقطوع،وذهب آخرون إلى اختصاص الحديث بالمرفوع،والخبر بغيره) ().
السادس:تعقبه في عزوه بعض الأحاديث إلى بعض المصادر، وهي غير المرادة عند الإطلاق:
وهذا له أمثلة:
1 – أورد شيخ الإسلام حديثاً في كتاب التوحيد، باب ما جاء في الذبح لغير الله، فقال: (عن طارق بن شهاب ()، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دخل الجنة رجل في ذُباب، ودخل النار رجل في ذباب». قالوا وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: «مَرَّ رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه أحد حتى يُقَرِّبَ له شيئاً. فقالوا لأحدهما: قَرِّبْ. قال: ما عندي شيء. قالوا: قَرِّب ولو ذُباباً فَقَرَّبَ ذباباً فَخلَّوا سبيله، فدخل النار وقالوا للآخر: قَرِّبْ. قال: ما كنتُ لأُقرِّبَ لأحدٍ شيئاً دون الله عز وجل. فضربوا عنقه، فدخل الجنة» رواه أحمد).
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: (هذا الحديث ذكره المصنف معزواً لأحمد، وأظنَّه تبع ابن القيم في عزوه لأحمد.
قال ابن القيم (): قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية ()، حدثنا الأعمش، عن سليمان بن مَيْسَرة ()، عن طارق بن شهاب يرفعه قال: «دخل رجل الجنة في ذباب …» الحديث. وقد طالعت «المسند» فما رأيته فيه، فلعل الإمام رواه في كتاب الزهد أو غيره) ().
قلت: هذا الحديث رواه الإمام أحمد في (الزهد) () ومن طريقه الخطيب البغدادي () عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن سليمان بن مَيسَرة، عن طارق بن شهاب، عن سلمان، موقوفاً، ورواه أبو نُعيم ()، من طريق جرير بن حازم، وأبي معاوية، عن الأعمش به موقوفاً، وكلا الإسنادين صحيح.
ورواه البيهقي () من طريق مُحَاضِر بن المُوَرِّع، عن الأعمش، عن الحارث ابن شُبَيْل، عن طارق بن شِهاب، عن سلمان موقوفاً، وقد وهم مُحَاضِر بن المُوَرِّع، في جعل الواسطة بين الأعمش وطارق، الحارث بن شُبَيل، ومُحَاضِر، مع أنه صدوق، إلا أن له أوهاماً وفيه غفلة ()، وقد خالف أبا معاوية وجرير بن حازم، وأبو معاوية أوثق الناس في الأعمش.
وأيضاً رواه ابن أبي شيبة ()، عن وكيع، عن سفيان، عن مُخَارِق بن خليفة، عن طارق بن شهاب، عن سلمان، موقوفاً. وهذا إسناد صحيح.
والراجح في هذا الحديث وقفه على سلمان الفارسي، وليس له حكم الرفع، فقد أخرجه عدد من الأئمة بعدة طرق، وبأسانيد صحيحة وكلهم يَقِفُهُ على سلمان الفارسي ولا يرفعه، وقد وَهِمَ الإمام ابن القيم في رفع هذا الحديث، وذلك عند نقله لسند الإمام أحمد لهذا الحديث فقال: (… عن طارق بن شهاب يرفعه) والذي في كتاب الزهد للإمام أحمد: (عن طارق بن شهاب، عن سلمان) موقوفاً. فلعل ابن القيم كتبه من حفظه فَوِهم.
إن في تعقب الشيخ سليمان على شيخ الإسلام في هذا الحديث له دلالات كثيرة منها:
أولاً: من طريقة أهل الحديث والمتعارف عليه بين أهل العلم، أن إطلاق العزو في تخريج الحديث للنسائي، يُقصد به سننه الصغرى المسماة (المجتبى) لا (السنن الكبير) وهكذا إطلاق العزو للطبراني، يُقصد به (المعجم الكبير) لا المعجم (الأوسط) أو (الصغير) وهكذا العزو للإمام أحمد يقصد به (المسند)، والشيخ سليمان عندما عزا شيخ الإسلام الحديث لأحمد، ذهب الشيخ سليمان مباشرة، لجرد المسند ومطالعته والبحث عن الحديث فيه؛ وذلك لأنه مستقر ومتعارف عند الشيخ سليمان أن إطلاق العزو لأحمد يُراد به (المسند) بداهة.
ولمَّا لم يجد الشيخ الحديث في (المسند) قال: (فلعل الإمام رواه في كتاب الزهد أو غيره) وكأن الشيخ يشير بهذا إلى أن عزو شيخ الإسلام محمد بن
عبد الوهاب تبعاً لابن القيم، الحديث لأحمد، وهو ليس في (المسند) هذا فيه شيء من التقصير؛ إذ يعتقد الباحث أن الحديث في المسند، فيبحث فيه فلا يجده، فينفي على هذا رواية أحمد للحديث، بينما هو في كتاب (الزهد) أو غيره.
¥