ـ[أبو محمد الأنصاري]ــــــــ[28 - 07 - 10, 06:20 م]ـ
جزى الله تعالى الجميع خير الجزاء ن وغفر الله لنا ولكم
الأخ الفاضل: أبو عبد الرحمن الجزائري
الأخ الفاضل: فواز الشريف
الأخ الفاضل: مصطفى منصور
الأخ الفاضل: محمود الجندي
الأخ الفاضل: أبوطه الجزائري
الأخ الفاضل: بدر السعد
الأخ الفاضل: عماد الدين زيدان
سعدت لمروركم وأتمنى منكم المشاركة والدعاء بالمغفرة وبحسن الخاتمة
قُرْآنٌ يَمْشِي
لقد كان حبُّه صلى الله عليه وسلم للقرآنِ، واهتمامُه به لا يُوصف، فقد سيطرَ القرآنُ على عقلِه، واستحوذَ على مشاعرِه، وبلغتْ قوةُ تأثيره عليه أن شيَّب شعرَه، فقد دخلَ عليه يوماً أبو بكر رضي الله عنه فقال له: شِبْتَ يا رسول الله قبل المشيبِ. فقال له مبيّنًا السببَ: (شيبتني هودٌ وأخواتُها قبل المشيب). [صحيح، أخرجه ابن مردويه وصححه الألباني في صحيح الجامع، ح 3721]
وفي يومٍ من الأيامِ قال لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (اقرأ عليَّ القرآن)، فقال: أقرأُ عليك، وعليك أُنزل؟!، قال: (إني أحبُّ أنْ أسمَعه من غيري).
قال: فقرأتُ عليه سورةَ النساءِ حتى إذا جئتُ إلى هذه الآية {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء:41]
قال: (حسبك)، فالتفتُ إليه فإذا عيناه تذرفان. [البخاري:5050، مسلم:1864]
.. لقد تشبّع صلى الله عليه وسلم بالقرآنِ تشبّعًا تامًا، وتأثّرَ به تأثّرًا بالغًا لدرجةِ أن الإمامَ الشافعي - رحمه الله- يعتبر أنَّ كلَّ ما حكمَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن. [تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 4]
لقد اختلطتْ معاني القرآن بشخصيةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وامتزجتْ بها، فصارت تتمثّل واقعًا حيًّا في شخصه، وكأنَّ القرآنَ أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم {قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ} [الطلاق: 10، 11]
لقد كان بحقٍ: قرآناً يمشي على الأرض، لذلك عندما سُئلت السيدةُ عائشةُ – رضي الله عنها - عن خُلُقِه صلى الله عليه وسلم قالت: كان خُلُقُه القرآن، يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه. [البخاري:4997]
التأثير العملي السريع:
وكان للقرآن تأثيرٌ سريعٌ عليه صلى الله عليه وسلم من الناحيةِ العمليةِ، وليس أدلّ على ذلك من أنّ جُوده وإحسانَه كان يزدادُ أكثرَ وأكثرَ بعد أنْ يدارسَه جبريلُ - عليه السلام - القرآنَ في رمضان.
فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أجودَ الناسِ بالخيرِ، وأجود ما يكونُ في شهرِ رمضان، لأنّ جبريلَ كان يلقاه في كل ليلةٍ في شهرِ رمضان حتى ينسلخَ، يعرضُ عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم القرآنَ، فإذا لقيه جبريلُ كان أجودَ بالخيرِ من الريحِ المرسلة). [مسلم:746]
[المصدر: تحقيق الوصال بين القلب والقرآن ص50 - 51، د/مجدي الهلالي]
نماذج بلغت الثُريا
إنَّ لقراءة القرآن منزلةً عُظْمَى، ورتبةً عُليا، وفَرَحًا روحانيًا لا يضاهيه فرحٌ، ولذةً لا تضاهيها لَذَّةٌ، لأنّه كلامُ الله - عز وجل - الملكِ العّلام، الذي بيدِهِ أَزِمّةُ الأمور، ومقاليدُ النّاس، لذا كان حافظُ القرآنِ عامرَ القلبِ، ومُهمِلُ القرآنِ مظلمَ القلبِ.
استمع معي - أُخَيَّ - إلى قولِ قرةِ العينِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الذي ليس في جوفِهِ شيءٌ من القرآنِ كالبيتِ الخَرِبِ". [الترمذي:2913]
ويَحسُنُ بنا أنْ نعطِّرَ مجلسَنا بذكرِ نبذةٍ عن مقرئ ِالأئمَّةِ والأعلامِ على مَرِّ السنينَ والأعوامِ، عن "أبي عبد الرحمن، عبد الله بن حبيب السلميّ "الضرير، المولود في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، المتوفَّى - على أحد الأقوال - سنة (85) هـ، وله من العمر (90) سنة، ولأبيه صُحبةٌ.
كان في العبادة لبيبًا، وفي التعليم أريبًا، وكان المنتهى إليه في القراءة تجويدًا وضبطًا، أَخَذَ القراءةَ عرضاً عن السادةِ عثمانَ، وعليّ، وابنِ مسعودٍ، وزيدِ بن ثابتٍ، وأُبَيّ بن كعبٍ - رضي الله عنهم -.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: أَخَذْنَا القرآنَ عن قومٍ أخبرونا أنَّهم كانوا إذا تعلّموا عشرَ آياتٍ لم يجاوزوهنَّ إلى العشر الأُخَرِ حتى يَعْلَموا ما فيهنَّ، فكنّا نتعلّم القرآنَ والعملَ به، وأنَّه سيرثُ القرآنَ بعدَنا قومٌ يَشْرَبُونَهَ شُربَ الماءِ لا يُجاوزُ تَراقيهم، بل لا يُجاوزُ هاهنا (ووضع يده على حلقه).
كان أبو عبد الرحمن السلمي أوّلَ من أقرأَ الناسَ بالكوفة بالقراءةِ المجمَعِ عليها، وكان يُقرئ القرآنَ يبتغي فيه وَجهَ اللهِ - عز وجل - لا يُريد على ذلك أجرًا، حتى أنّ رجلاً كان يقرأُ عليه فأهدَى له فرسًا فردّها عليه، وقال له: ألا كان هذا قبل القراءةِ.
كأنّه قال: أنا لا آخذُ منك أجراً على تعليمك القرآنَ، وإنما أحتسبُ، ولو لم أكن معلّمًا لك لأخذتُ الفرسَ هديةً.
وكان ثقةً، كبيرَ القدْرِ، وحديثُهُ مُخَرَّج في الكتبِ الستة.
ما الذي جَعَلَ هذا الإمامَ الصوّامَ القَوّامَ يعكف في المسجدِ الأعظمِ في الكوفةِ أربعين سنةً يُعلّم الناس ولا يقبل منهم على التعليم أجرًا؟!
أجل، الذي حمَلَهُ على ذلك حديثٌ يرويه عن عثمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا وهو "خَيرُكم مَنْ تَعَلَّمَ القُرآنَ وعَلَّمَه".
وعَلَّم القرآنَ في إِمرةِ عثمانَ حتى كان الحجَّاجُ، قال: ذاك الذي أَقعَدَني مَقْعَدي هذا. [البخاري:5027، الترمذي:2907]
هذا طَرَفٌ من أخلاقِ معلِّمِ القرآن، وميزانٌ دقيقٌ يَزِنُ به معلّمُ القرآنِ نفسَه. [أنظر حلية الأولياء 4/ 192، غاية النهاية 1/ 413، تهذيب التهذيب 5/ 183 - 184]
نسألُ اللهَ - عز وجل - أنْ يُخَلّقَنا بأخلاقِهِم، ويُؤَدِّبنا بآدابهم.
وصَلّى اللهُ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصَحبه وسَلَّم.
[بقلم: أ. د/ محمود بن يوسف فجال، من موقع الهيئة العالمية لتدبر القرآن]
¥