تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو محمد الأنصاري]ــــــــ[05 - 08 - 10, 01:04 ص]ـ

الحمد لله رب العالمين له الحمد الحسن والثناء الجميل، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد

وبعد فمع الحلقة السادسة من برنامجنا التدريبي:

قلبك سبيل تدبرك

إذا أردتَ الانتفاعَ بالقرآنِ فاجمعْ قلبَك عند تلاوتِه وسماعِه، وألقِ سمعكَ، واحضرْ حضورَ من يخاطبه به من تكلّم به سبحانه منه إليه؛ فإنه خطابٌ منه لك على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] وذلك أن تمامَ التأثيرِ لمَّا كان موقوفاً على مؤثِّرٍ مقتضٍ، ومحلٍّ قابلٍ، وشرطٍ لحصولِ الأثرِ، وانتفاء المانع الذي يمنعُ منه، تضمّنت الآيةُ بيانَ ذلك كلِّه بأوْجز لفظٍ، وأبينِه، وأدلِّه على المراد.

فقولُه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} إشارة إلى ما تقدّم من أولِ السورة إلى ههنا، وهذا هو المؤثِّرُ وقوله: {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} فهذا هو المحلّ القابلُ، والمرادُ به القلبُ الحي الذي يعقلُ عن الله، كما قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} [يس:69 - 70] أي: حي القلبِ، وقوله: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} أي: وجَّه سمعَه، وأصغى حاسَّة سمعه إلى ما يقال له، وهذا شرطُ التأثّر بالكلام، وقوله: {وَهُوَ شَهِيدٌ} أي: شاهدُ القلبِ، حاضرٌ، غير غائبٍ.

قال ابن قتيبة: "استمعَ كتابَ الله وهو شاهدُ القلب والفهم، ليس بغافلٍ، ولا ساهٍ" وهو إشارة إلى المانعِ من حصولِ التأثيرِ وهو سهوُ القلب، وغيبتُه عن تعقّل ما يُقال له، والنظر فيه وتأمُّله.

فإذا حصل المؤثّر: وهو القرآن ...

والمحلّ القابلُ: وهو القلبُ الحي ...

وُوجِد الشرطُ: وهو الإصغاءُ ...

وانتفى المانعُ: وهو اشتغالُ القلب، وذهولُه عن معنى الخطاب، وانصرافه عنه إلى شيء آخر ...

حصل الأثرُ: وهو الانتفاع والتذكُّر.

[المصدر: كتاب بدائع الفوائد لابن القيم ص3، ط/ دار الكتب العلمية – بيروت]

واعلم بأن دواؤك في كتابك الذي بين يديك

فالقرآن الكريم هو الشفاء التام لجميع الأمراض القلبية والبدنية وأمراض الدنيا والآخرة.

قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82]

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57]

{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت:44]

وإذا أحسن المريض التداوي به فوضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم لم يقاومه الداءُ أبدًا، وكيف تُقَاوِم الأمراضُ كلامَ ربِّ الأرض والسماء الذي لو نَزَلَ على الجبال لصَدَعَها أو على الأرض لقَطَعَها فما مِن مَرَضٍ مِن أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيلُ الدلالة على دوائِه وسببِه والحمية منه لمن رَزَقَه اللهُ فَهْمًا في كتابه وقد أرشد القرآن إلى أن قواعد الطب للأبدان ثلاثة:

حِفْظُ الصِّحةِ، والحميةُ عن المؤذي، واستفراغُ الموادِ الفاسدة.

فأما حِفْظُ الصِّحة: فقد قال الله تعالى في آية الصوم: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184 - 185] فأباح الفطر للمريض ولعذر المرض والمسافر طلبًا لحفظ صحته وقوَّته لئلا يذهبها الصوم في السفر.

وأما الحمية: فقال تعالى في آية الوضوء والطهارة: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة:6]

فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التيمم حميةً له أن يصيب جسده ما يؤذيه، وهذا تنبيه على الحمية عن كلِّ مؤذٍ له مِنْ داخل أو خارج.

وأما استفراغ المواد الفاسدة: فقد قال تعالى في آية الحج: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [سورة البقرة:196]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير