باح للمريض ومن به أذى من رأسه من قمل أو حكة أو غيرهما أن يحلق رأسه في الإحرام بالحج استفراغًا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باختفائها تحت الشعر، فإذا حَلَقَ رأسه تفتحت المسام فخرجت تلك الأبخرة منها، فهذا الاستفراغ يُقَاسُ عليه كلُّ استفراغ يُؤْذِي انحباسَه.
والأشياءُ التي يُؤْذِي انحباسها ومدافعتها عشرة: الدم، والغائط، والبول، والريح، والقيء، والعطاس، والمني، والنوم، والجوع، والعطش، وكلُّ واحدة مِن هذه الأشياء يوجب حبسُه داءً من الأمراض وقد نَبَّه سبحانه باستفراغ أدناها وهو البخار المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب منه كما هي طريقة القرآن التنبيه بالأدنى على الأعلى فقد أرشد سبحانه عباده إلى أصول الطب الثلاثة ومجامع قواعدها. [مقتطفات من زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم جـ/3 ص135 - 377 ببعض التصرف].
[المصدر: كتاب "أمراض القلوب وشفاؤها" لعبد الله بن جار الله ص25 - 27]
واعلم بأن أمراض القلوب ترجع كلها إلى أمراض الشهوات والشبهات، وحياةُ القلبِ وإشراقُه مادةُ كل خير فيه، وموته وظلمته مادة كل شرٍّ فيه، ولا يكون صحيحًا حيًّا إلا بمعرفة الحق وإيثاره، ولا سعادة له ولا نعيم ولا صلاح حتى يكون الله وحده هو معبوده وغاية مطلوبة، ولا يتم ذلك إلا بزكاة قلبه وتوبته واستفراغه من جميع المواد الفاسدة والأخلاق الرذيلة، ولا يحصل له ذلك إلا بمجاهدة نفسِه الأمارة بالسوء ومحاسبتها ومجاهدة شياطين الإنس والجن: شياطين الإنس بالإعراض عنهم ومقابلة الإساءة بالإحسان، وشياطين الجن بالاعتصام بالله منهم ومعرفة مكائدهم وطرقهم والتحرُّز منها بذكر الله تعالى والتعوذ به منهم. [انظر إغاثة اللهفان لابن القيم 1/ 7 - 10، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 10/ 91، 149]
ومدار اعتلال القلوب وإسقامها على أصلين: فساد العلم وفساد القصد، ويترتب عليهما داآن قاتلان: الغضب والضلال، فالضلال نتيجة فساد العلم، والغضب نتيجة فساد القصد، وهذان المرضان مِلاكُ أمراض القلوب جميعها، وشفاء ذلك بالهداية العلمية والهداية العملية معرفة الحق واتباعه، والقرآن كله شفاء لهذين المرضين ولغيرهما. ففيه الهداية التامةـ[انظر طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول لابن سعدي ص204]
يقول ابن فيم رحمه الله - تعالى- في شرط الشفاء بالقرآن وغيره
"وههنا أمرٌ ينبغي التفطّنُ له وهو أنّ الأذكارَ والآياتِ والأدعيةَ التي يُسْتَشْفَى بها ويُرْقَى بها، هي في نفسِها نافعةٌ شافيةٌ، ولكن تستدعي قبولَ المحلّ، وقوةَ همةِ الفاعل وتأثيره.
فمتى تخلّف الشفاءُ كان لضعفِ تأثيرِ الفاعلِ، أو لعدمِ قبولِ المنفعلِ، أو لمانعٍ قوي فيه يمنعُ أن ينجع فيه الدواءُ، كما يكونُ ذلك في الأدويةِ والأدواءِ الحسية، فإنَّ عدمَ تأثيرها قد يكونُ لعدمِ قبولِ الطبيعةِ لذلك الدواء، وقد يكون لمانعٍ قوي يمنع من اقتضائه أثره.
فإن الطبيعةَ إذا أخذت الدواءَ بقبولٍ تام كان انتفاعُ البدن به بحسبِ ذلك القبول.
وكذلك القلبُ إذا أخذ الرُّقَى والتعاويذَ بقبولٍ تام، وكان للراقي نفسٌ فعّالةٌ وهمةٌ مؤثّرةٌ، أثَّرَ في إزالةِ الداءِ".
[المصدر: الداء والدواء ص22]
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل
ـ[لايق عواد فهيد الشمري]ــــــــ[09 - 08 - 10, 03:22 م]ـ
جزاك الله خير