ثم أمر بالاقتداء بفعل عثمان رضي الله عنه في جعله المصحف ملجئا، أي مفزعا وحصنا وإماما متبعا لكل من أراد أن يكتب القرآن، ولأنه لما كتب المصاحف أمر الناس بالاقتصار عليها ثم أمر بما سواها أن يحرق كما سبق.
قال الحافظ أبو عمرو رحمه الله: أكثر العلماء على أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لما كتب المصحف جعله على أربعة نسخ، وبعث إلى كل ناحية من النواحي بواحدة منهن، فوجّه إلى الكوفة إحداهن و إلى البصرة أخرى والى الشام الثالثة وأمسك عند نفسه واحدة، وقد قيل إنه جعله سبع نسخ، ووجّه من ذلك نسخة إلى مكة، ونسخة إلى اليمن ونسخة إلى البحرين، قال الحافظ: والأول أصح وعليه الأئمة.
وأشار الشاطبي رحمه الله إلى ذلك فقال:
وسار في نسخ منها مع المدني - كوف وشام وبصر تملأ البصرا
وقيل مكة والبحرين مع يمنٍِ - ضاعت بها نسخ في نشرها قطرا
فلما كتب المصاحف أمر الناس بالاقتصار على ما وافقها لفظا ومتابعتها خطا، وأجمع الناس على اتباعها، فصار ذلك واجبا كما أشار الناظم رحمه الله في "عمدة البيان" بقوله:
فواجب على ذوي الأذهان - أن يتبعوا المرسوم في القران
ويقتدوا بما رآه نظرا - إذ جعلوه للأنام وَزَرا
وكيف لا يجب الاقتداء - لما أتى نصا به الشفاء
إلى عياضٍ أنه من غيّرَ - حرفا من القران كفر
زيادة أو نقصا أو إن أبدلَ - شيئا من الرسم الذي تأصلا
قول الناظم في عمدة البيان "فواجب على ذوي الأذهان" دليل الوجوب هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، والإجماع حجة كما هو مقرر في أصول الفقه، قال أبو محمد مكي في الإبانة: وقد سقط العمل بالقراءات التي تخالف خط المصحف فكأنها منسوخة بالإجماع على خط المصحف ...
قال ابن مجاهد: والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم تلقيا، وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار.
قال اسماعيل القاضي: أحسبه يعني هذه القراءة التي جمعت في المصحف.
قال أبو شامة رحمه الله: قلت وهذه السنة التي أشار إليها هي ما ثبت عن النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم نصا أنه قرأه وأذن فيه على ما صح عنه أن القرءان أنزل على سبعة أحرف فلأجل ذلك كثر الاختلاف في القراءة في زمانه صلى الله صلى الله عليه وسلم وبعده إلى أن كتبت المصاحف باتفاق من الصحابة بالمدينة على ذلك، ونفدت إلى الأمصار، وأمروا باتباعها، وترك ما عداها، فأخذ الناس بها، وتركوا من تلك القراءات كل ما خالفها، وأبقوا ما يوافقها صريحا كقراءة "الصراط" بالصاد، واحتمالا كقراءة "ملك" بألف، لأن المصاحف اتفقت على كتابة "ملك" فيها بغير ألف، فاحتمل أن يكون مراده، كما حذفت من "الرحمن" و"إسمعيل" و"إسحق" وغير ذلك، ويحمل على اعتقاد ذلك ثيوت تلك القراءات بالنقل الصحيح عن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم فيه التواتر، بل تكفي الآحاد الصحيحة مع الاستفاضة، وموافقة خط المصحف، فالتواتر ليس شرطا في صحة القراءة ولا في صحة الحديث، وإنما هو اصطلاح أحدث بعد تدوين القرءان والحديث، بل إن السلف الصالح لم يكونوا يشترطونه في ما صح لديهم وإنما أخذه من أخذه عن علماء الكلام، بل إنه اصطلاح فلسفي، زد على أنه فيه اختلاف كثير في حده أي العدد الذي يثبت به التواتر، بل حتى أوصله بعضهم إلى الستين، وهذا العدد قل ما يتوفر وخصوصا في السنة المطهرة ولأجل هذا أنكر بعضهم أحاديث الآحاد، وقال إنها ظنية الثبوت، وهذه زندقة فإن أحاديث التواتر قليلة لا تبلغ الأربعمائة حديث، وإذا كان كذلك فأين السنة المطهرة التي هي في الأحاديث الآحادية التي لولاها لضاع كثير من الشريعة.
ـ[المورسلي]ــــــــ[20 - 04 - 08, 02:33 ص]ـ
أعتذر عن التأخير الخارج عن الارادة ...
فقد واجهت بعض المشاكل منها أن الآيات تظهر بصورة غير مفهومة .. وقد تم بحمد الله معالجة ذلك
وفقنا الله للعلم النافع و العمل الصالح
ـ[المورسلي]ــــــــ[21 - 04 - 08, 02:32 ص]ـ
ثم قال رحمه الله:
وجاء آثار في الاقتداء - بصحبه الغر ذوي العلاء
منهن ما ورد في نص الخبر - لدى ابي بكر الرضي وعمر
وخبر جاء على العموم - وهو أصحابيَ كالنجوم
لما ذكر الناظم رحمه الله وجوب اتباع رسم الإمام وذكر الوعيد الذي يترتب على عدم الاقتداء به، شرع يذكر
¥