[بحث بعنوان (التمييز في القراءات القرانية)]
ـ[أبو سفيان العامري]ــــــــ[13 - 04 - 08, 07:08 م]ـ
التمييز في القراءات القرآنية ـــ د. صالح حيدر علي الجميلي (1)
التمييز في اللغة: مصدر الفعل "ميَّز"، وأصله: ميَزَ، قال صاحب القاموس: (مازَه يَمِيْزه مَيْزَا: عَزَلَه وفَرَزَه، كأمازَه وميَّزه فامتاز .. والشيء: فضل بعضه على بعض) (2).
وقال الراغب: (المَيْز والتَّمييز: الفصل بين المتشابهات، يقال: مازَه يَمِيزه مَيْزَا ومَيَّزه تمييزا، قال تعالى: (ليميز الله (وقرئ: ولِيَميِّز الخبيث من الطيب، والتمييز يقال تارة للفصل، وتارة للقوة التي في الدماغ، وبها تستنبط المعاني، ومنه يقال فلان لا تمييز له، ويقال: انماز وامتاز، قال: (وامتازوا اليوم (وتميز كذا مطاوع ماز، أي انفصل وانقطع، قال: (تكاد تميز من الغيظ ((3).
التمييز في الاصطلاح:
التمييز أو التفسير: اسم صريح نكرة جامد فضلة، مفسر ما أبهم من الذوات والنسب. قال ابن الحاجب: (التميزات على ضربين: أحدهما موضوع للذات فيؤتى على ما وضع كدرهم ودينار ودار وما أشبه ذلك. والآخر: أن يكون موضوعاً للمعنى، فللعرب فيه عبارتان:
أحدهما أن يأتوا بذلك اللفظ كقولهم: لله دره فروسية، فيأتون بالصيغة الموضوعة للمعنى.
والآخر: أن يأتوا باللفظ الموضوع للذات التي قام بها ذلك المعنى وهو الفروسية، فيقولون: فارساً؛ لأنه لم يسم إلا باعتبار قيام الفروسية به) (4).
والتمييز مصطلح بصري والتفسير مصطلح كوفي (5).
وعوامل نصبه أحد أمرين:
الأول: مفسره، إن كان مفسراً.
والآخر: الفعل وشبهُه نسبةً.
وهو عند النحاة على معنى (من) البيانية مبينة للذوات والنسب، والذوات هي المقادير وشبهها والأعداد وكنايتها وما هو فرع له، أما النسب فما هو محول عن فاعل أو مفعول، أو غيرها مع التفضيل، وما هو ليس محولاً (6).
وقد اختلف النحويون في:
تقديمه على عامله:
يمنع سيبويه ذلك مطلقاً مع العامل متصرفاً أو غير متصرف، فلا تقول ((نفساً طاب زيدٌ)، ويخالفه الكسائي والمازني والمبرد (7)، مجيزاً مع المتصرف فيمكن القول ((نفساً طاب زيدٌ)، (وشيباً اشتعل رأسي) وكقول الشاعر:
أتهجر ليلى بالفراق حبيبها
وما كان نفساً بالفراق تطيب
تعريفه:
ذهب الكوفيون إلى جواز تعريف التمييز، وهذا أمر لا يجيزه البصريون؛ لأن معظم مجيء التمييز منكر (8). وفي الصفحات اللاحقة آيات اختلف في قراءة بعض ألفاظها التي خرِّجت على التمييز في وجه، وعلى غيره من وجه آخر.
وردّت قراءات خرّجها بعضهم على كونها تمييزاً، وخرّجها آخرون على أنّها حال، وقسم آخر جوّز أن تكون تمييزاً أو حالاً أو عطف بيان.
ومن المواضع التي وردت في القرآن الكريم:
بين الحال والتمييز:
قال تعالى: (ولمّا رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا ((9).
قال بعض المفسرين: إنّ (عارضاً* تمييز للضمير المبهم في رأوه. قال الزمخشري: (إمّا تمييزاً وإمّا حالاً وهذا الوجه أعرب وأفصح) (10)، (ومثله باتفاق التمييز في قولهم: نعْمَ رجلاً، وبئْسَ رجلاً، فإنّه تمييز للمضمر نفسه لا لما يتعلّق به) (11).
من الألفاظ التي عدّت تمييزاً (حافظاً) في قوله تعالى: (فا لله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين ((12)، قرأ حفص عن عاصم والأخوان (حافظاً). و (حفظاً) هي قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وشعبة عن عاصم، وجعلها الطبري لعامة أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين (13)، وأما قراءة الإضافة فأوّلها (خير الحفظ) تنسب إلى الأعمش من طريق المطوّعي. والقراءة الثانية (خير الحافظ) تنسب إلى ابن مسعود وأبي هريرة، (ت 57 هـ) (14)، وهاتان الأخيرتان تؤازران حكم التمييز في اللفظين. وفي قوله (سبحانه وتعالى): (حافظاً (مذهبان للنحويين، أولهما: القول بالتمييز، وهو الأوْلى، قال الفرّاء: (وإن شئت جعلت (حافظاً) تفسيراً لأفضل والعرب تقول: لك أفضلها كبشاً، وإنّما هو تفسير الأفضل) (15)، وهو كذلك عند الطبري، وأجازه الزجاج وجعله بياناً، ويصفه مكي بالحسن، ويقارنه الزمخشري بقولهم: هو خيرهم رجلاً، ولله دره فارساً، وهو كذلك عند العكبري، وغيره، وما يحقق تمييزاً أمران هما:
*أوّلهما: الحال بيان هيئة الله غير مشاهدة.
*والآخر: التمييز بيان نسبة، ونسبة الأشياء إلى الله حاصلة (16).
¥