تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[هول يوم القيامة نأخذه من أحوال الجبال]

ـ[أبوا أنس الجزائري]ــــــــ[24 - 04 - 08, 09:52 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

إعلم أنه جل وعلا بين لنا هول وأحوال يوم القيامة في آيات من كتابه ومن بين هذه الأحوال أردت أن أستعرض معكم أحوال الجبال فإنها تعتبر من أعظم مخلوقات الله عزوجل كيف يذهبها ويزيلها وهذا مع صلابتها وقوتها فسبحان القوي العزيز

قال تعالى {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} [الكهف: 47] وقال سبحانه {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} [الطور:9، 10] وقال كذلك {وَسُيّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ: 20] قال المفسرون أي تذهب من مكانها وتزول و ليس في لفظ الآيات ما يدل على أنها إلى أين تسير، فيحتمل أن يقال: إنه تعالى يسيرها إلى الموضع الذي يريده ولم يبين ذلك الموضع لخلقه والحق أن المراد أنه تعالى يسيرها إلى العدم

ثم ذكر أنه يوم القيامة يحمل الأرض و الجبال من أماكنها ويدكهما دكة واحدة وذلك في قوله {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [سورة الحاقة: 14]

ثم ذكر أنه ينسفها نسفاً في قوله {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه:105 - 107] يقول تعالى: إنه تذهب الجبال ويطيرها بقلعها واستئصالها من أصولها وتتساوى المهاد، وتبقى الأرض {قَاعًا صَفْصَفًا} أي فيدع أماكنها من الأرض إذا نسفها نسفا، قاعا: يعني: أرضا ملساء، صفصفا: يعني مستويا لا نبات فيه، ولا نشز، ولا ارتفاع، سطحًا مستويًا لا عوج فيه {وَلا أَمْتًا} أي: لا وادي ولا جَبَل؛ ولهذا قال تعالى: {وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً} [أي: بادية ظاهرة، ليس فيها مَعْلَم لأحد ولا مكان يواري أحدًا، بل الخلق كلهم ضاحون لربهم لا تخفى عليه منهم خافية.

ثم بين أنه يسيرها في الهواء بين السماء والأرض. وذلك في قوله {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَفَزِعَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآءَ الله وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: 87 - 88]

ثم ذكر في موضع أخر أنه جل وعلا يفتتها ويدقها حتى تذهب صلابتها الحجرية وتلين كقوله {وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً} [الواقعة: 5] أي: فُتِّتَتْ فَتًّا قاله ابن عباس، ومجاهد، وعِكْرِمَة، وقتادة، وغيرهم أي فتت حتى صارت كالبسيسة والبَسِيْسَةُ: السَّويقُ أو الدقيق يُلَتُّ بالسَّمن أو الزيت، ثم يؤكل ولا يطبخ، وقد يتخذ زاداً

ثم بين أنه يصيرها كالرمل المتهايل، وكالعهن المنفوش؟ وذلك في قوله: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال وَكَانَتِ الجبال كَثِيباً مَّهِيلاً} [المزمل: 14] أي كانت الجبال رملا سائلا متناثرًا.

والمهيل: مفعول من قول القائل: هلت الرمل فأنا أهيله، وذلك إذا حُرِّك أسفله، فانهال عليه من أعلاه وقوله تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السمآء كالمهل وَتَكُونُ الجبال كالعهن} [المعارج: 8 - 9] و قوله: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} في «القارعة». والعهن: الصوف المصبوغ وقوله تعالى: {وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً}. لا يعارض قوله: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} لأن قوله وكانت الجبال كثيبا مهيلا تشبيه بليغ والجبال بعد طحنها المنصوص عليه بقوله وبست الجبال بسا تشبه الرمل المتهايل وتشبه أيضا الصوف المنفوش فتكون في عدم صلابتها ولينها كالعهن المنفوش، وكالرمل المتهايل، كقوله تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السمآء كالمهل وَتَكُونُ الجبال كالعهن} وقوله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش}

ثم بين أنها تصير كالهباء المنبث في قوله: {وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً} [الواقعة: 5 - 6] {فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً} أي: غباراً متفرّقاً منتشراً. قال مجاهد: الهباء: الشعاع الذي يكون في الكوّة كهيئة الغبار، وقيل: هو الرّهج الذي يسطع من حوافر الدّواب، ثم يذهب، وقيل: ما تطاير من النار إذا اضطرمت على سورة الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئًا

ثم بين أنها تصير سراباً، وذلك في قوله: {وَسُيِّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ: 20] أي نُسفت الجبال فاجتثت من أصولها، فصيرت هباء منبثا، لعين الناظر فصارت بعد تسييرها مثل سراب فترى بعد تفتتها وارتفاعها في الهواء كأنها جبال وليس بجبال بل غبار غليظ متراكم يرى من بعيد كأنه جبل كالسراب يرى كأنه بحر مثلاً وليس به فالكلام على التشبيه البليغ والجامع أن كلاً من الجبال والسراب يرى على شكل شيء وليس هو بذلك الشيء والسراب هو الذي يظنّ من يراه من بعيد أنه ماء، وهو في الحقيقة هباء وهذا من قبيل قوله تعالى (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ). [سورة النور: 39]

اللهم ارحمنا يارحيم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير