* ولفظ هذا الإمام في هذا الشأن يعطي أن قول أكثر أهل العلم بهذا الفن، وعند هذا، فيكون الفرق بين القبضتين والوفاتين أن الروح في حالة النوم تفارق الجسد على أ، ها تعود إليه فلا تخرج خروجًا ينقطع به العلاقة بينها وبين الجسد، بل يبقى أثرها الذي هو حياة الجسد باقيًا فيه، فأما في حالة الموت فالروح تخرج من الجسد مفارقة له بالكلية فى تخلف فيه شيئًا من أثرها، فلذلك تذهب الحياة معها عند الموت دون النوم، ثم إن إدراك كيفية ذلك والوقوف على حقيقته متعذرفإنه من أمر الروح، وقد استأثر بعلمه الجليل - تبارك وتعالى - فقال سبحانه: (قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا) ..
* وأما قوله تبارك وتعالى: (قالوا أضغاث أحلام) فإن الأضغاث جمع ضِغْث وهو الحزمة التي تقبض بالكف من الحشيش ونحوه، والأحلام جمع حُلم وهي للرؤيا مطلقًا، وقد تختص بالرؤيا التي تكون من الشيطان، ولما روي في حديث: (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) فمعنى الاّية أنهم قالوا للملك: إن الذي رأيته أحلام مختلطة و لا يصح تأويلها ..
* وقد أفرد بعض أهل التعبير اصطلاحًا لأضغاث أحلام فذكر أن من شأنها أنها:
1 - (الترقيم من عندي) لا تدل على الأمور المستقبلية وإنما تدل على الأمور الحاضرة والماضية.
2 - ونجد معها أن يكون الراوي خائفًا من شيء، أو راجيًا لشيء، وفي معنى الخوف والرجاء الحزن على شيء والسرور بشيء، فإذا نام من اتصف بذلك رأى في نومه ذلك الشيء بعينه ..
3 - أن يكون خاليًا من شيء هو محتاج إليه الجائع والعطشان يرى في نومه كأنه يأكل ويشرب.
4 - أو يكون ممتلئًا من شيء فيرى كأنه يتجنبه، كالممتلىء من الطعام يرى كأنه يقذف.
وذكر أن هذه الأمور الأربعة مهما سلم الرائي منها في رؤياه لا تكون من أضغاث الأحلام التي لا تعبير لها، وهذا الذي ذكره ضابط حسن لو سلم في طرفيه، لكن الحصر شديد وما ذكره فعنده من المنامات الفاسدة شاركته في الاندراج في قبيل الأضغاث ..
* وأما سؤاله: من أين يفهم المنام الصالح من المنام الفاسد؟
فإن للرؤيا الفاسدة أمارات يستدل بها عليها، وما تقدم حكايته في شرح أضغاث أحلام طرف منها ..
1 - (الترقيم من عندي أيضًا) فمنها أن يرى ما لا يكون كالمحالات وغيرها مما يعلم أنه لا يوجد، بأن الله - سبحانه وتعالى - على صفة مستحيلة عليه، أو يرى نبيًا يعمل عمل الفراعنة، أو يرى قولًا لا يحل التفوه به، ومن هذا القبيل ما جاء في الحديث الصحيح من أن رجلًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني رأيت رأسي قطع وأنا أتبعه) الحديث المعروف، وهذه هي الرؤيا الشيطانية التي ورد الحديث بأنه تحزين من الشيطان أو تلعب منه بالإنسان ..
2 - ومن هذا النوع الاحتلام فإنه من الشيطان؛ ولذلك لا تحتلم الأنبياء عليهم السلام ..
3 - ومن أمارات الرؤيا الفاسدة أن يكون ما راّه في النوم قد راّه في اليقظة وأدركه حسه بعهد قريب قبل نومه وصورته باقية في خياله فيراه بعينها في نومه ..
ومنها أن يرى ما قد حدثته به نفسه في اليقظة ويكون مما قد تفكر فيه قبل النوم بمدة قريبة: إما مما قد مضى، أو من الحالي، أو مما ينتظر في المستقبل ..
ومنها أن يكون ما راّه مناسبًا لما هو عليه من تغيير المزاج بأن تغلب عليه الحرارة من الصفراء فيرى في نومه النيران والشمس المحرقة، أو يغلب عليه البرودة فيرى الثلوج، أو يغلب عليه الرطوبة فيرى الأمطار والمياه، أو يغلب عليه اليبوسة والسوداء فيرى الأشياء المظلمة والأهوال، فالرؤيا السوداوية، فجميع هذه الأنواع فاسدة لا تعبير لها ..
* فإذا سلم الإنسان في رؤياه من هذه الأمور وغلب على الظن سلامة رؤياه من الفساد، ووقعت العناية بتعبيرها، وإذا انضم إلى ذلك كونه من أهل الصدق والصلاح قوى الظن بكونها صادقة صالحة، وفي الحديث الثابت عنه صلى الله عليه وسلم: (أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا) ..
* ومن أمارات صدقها من حيث الزمان كونها في الأسحار لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: (أصدق الرؤيا بالأسحار) (الحديث ضعيف) - التنبيه مني - ..
وكونها عند اقتراب الزمان لقوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: (إذا اقترب الزمان لم تكد رويا المسلم تكذب) ..
واقتراب الزمان قيل:
* هو اعتداله وقت استواء الليل والنهار، ويزعم المعبرون أن أصدق الرؤيا ما كان أيام الربيع ..
* وقيل: اقتراب الزمان وقت قيام الساعة ..
* ومن أمارات صلاحها أن يكون تبشير بالثواب على الطاعة، أو تحذير من المعصية ...
* ثم إن القطع على الرؤيا بكونها صالحة لا سبيل إليه إنما هو غلبة الظن، ونظير ذلك من حال اليقظة الخواطر، ومعلوم أن إدراك ما هو حق منها مما هو باطل وعر الطريق، إن نظن إلا ظنًا وما نحن بمستيقنين ...
ـ[أبو عبد الرحمن البعداني]ــــــــ[28 - 03 - 08, 12:39 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي العبادي وبارك فيك
¥