تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي هذين الأمرين اطمئنان، إلى حكمه نصباً على التمييز. أمّا القائلون بالحال فالزجّاج والنحّاس، وتبعهما آخرون (17)، وقد ردّ القول بالحال مكي لسببين هما:

*ولو حذفت لنقص، وهذا دليل على أنّها ليست فضلة.

*جواز الإضافة دليل على أنّها ليست حالاً (18).

وذهب أبو حيان في ردّه على الزمخشري والعكبري في هذا، إلى القول بأنّ الحال ليس بجيد لتقيد الخبر بهذا الحال (19)، وعارضه السمين مبيّناً أنّها حال لازمة مؤكدة لا مبيّنة، وأنّها ليست أول حال وردت لازمة (20)، ولعلَ في قول مكّي وأبي حيّان انتصاراً للقائلين بالتمييز على غيرهم، وفيما بيّناه من أحكام الهيئة والنسبة دليل على التمييز.

أمّا قراءة (حفظاً) فهي محمولة على التمييز، وقد جعله الفرّاء كذلك على تقدير (خيرهم حفظاً).

حذف الضمير وهو منوي معني (21)، ويراه الزجاج كذلك، وهو أبين عند النحّاس، وأخذ بهذا ابن خالويه ومكّي والأنباري وغيرهم (22)، وذهب السمين إلى أن من تأوّل مثل (زيدٌ عدلٌ)، على المبالغة أو حذف المضاف أو وقوع المصدر موقع الوصف أجاز حمل (حفظاً) على الحال في تأويلاته الثلاث المذكورة، بيد أنّ فيه تعسفاً (23)، وهو أمر مسند بحقيقة الذات الإلهية منسوباً إليها الحفظ وغيره من المعاني المختلفة.

بين التمييز والفاعل:

جاء في قوله تعالى: (كَبُرَتْ كلمةً تخرُجُ مِنْ أفْواهِهِم إنْ يقولونَ إلا كَذِباً ((24)، قرأ الجمهور بنصب (كلمةً) على أنّها تمييزٌ. وقرأها (كلمةٌ) بالرفع: ابن كثير من العشرة ويحيى ومجاهد والحسن وابن أبي ليلى بالتركيب إلى أسلوب الذم فهو عندهم على: كبرت كلمةً مقالتهم، فأعربوا (كلمةً) تمييزاً، ومقالتهم مخصوصة بالذم. على (المذمومة مقالتهم)، أو (مقالتهم مذمومة) والفاعل عند الجميع ـ ممن تناولوا الآية ضمير مستتر تقديره (هي)، وهو مفسر بالتمييز على قول البصريين (25)، وذهب آخرون إلى أنّه عائد على متقدم هو: مقالتهم المفهومة من قوله سبحانه وتعالى: (قالوا اتْخَذَ اللهُ ولَداً) (26)، ويرّدُ قولهم هذا أبو حيان مؤكداً أنّ التقدير: (كُبرَتْ كلمةً خارجةً من أفْواهِهِم تلك المقالة التي فاهوا بها) وهو ظاهر من التمييز (27)، وحمل بعضهم نصباً على معنى التعجّب فقدّروها على ما أكْبَرَها كلمةً، قال بها الأخفش وأبو عبيدة والزمخشري، والسيوطي (28)، وهو معنى تأويلي أيضاً، أبْدلَ أسلوب الذم بأسلوب التعجب، وذهب بعض من النحويين إلى تأييد قول ابن عطية في عدِّ (كلمة) حالاً، ورَدّهُ السمينُ قائلاً:

(ليس هذا بظاهر) (29) وذلك؛ لأنَّ الكسائي يحمل بعض الأفعال على المدح والذم بضم العين في كـ (قَضُوَ ودَعُوَ) (30)، وكَبُرَ محمول على ذلك، محكوم بأحكام هذا الأسلوب، فنكرُته المنصوبة تمييز موافقة للجمهور، وإنْ كان الكسائي قد أعربها حالاً، فقد خالفه تلميذه الفرّاء لتعارض الأمر مع قول الجمهور في هذا (31)، ويذهب العكبري وأبو حيان إلى إجازة كون المخصوص بالذم محذوفاً و (تخرج) صفة له، و/التقدير هو: كبرت كلمة تخرج من أفواههم (32)، وهو أمر ممكن؛ لأنّ النكرة قد خصصت بالصفة، لذلك يقرب من المعرفة فساغ كونه مخصوصاً بالمدح.

أما قراءة الرفع فليس فيها خلاف وهي خارج موضوعنا.

بين التمييز والإضافة والبدل:

قال تعالى: (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وزدادوا تسعاً ((33)، قرأ حمزة والكسائي وخلف من العشرة والحسن والأعمش من الأربعة عشر من غير تنوين في (مائة) بإضافتها إلى سنين، وقرأ الباقون بالتنوين (34)، وقرأ الضحّاك على (سنون) (35). وفي قراءة التنوين خلافات في تخريج لفظة (سنين)، فقد ذكره الفرّاء قائلاً (ومن نونّ ... يريد بالإضافة، نصب السنين بالتفسير للعدد) (36)، والأمر كذلك عند الأخفش "فإن كانت تفسيراً للمئة فهي جر، وإن كانت تفسيراً للثلاث فهي نصب (37)، فهي محمولة عنده في الحالتين على التمييز، وقد تبعه في هذا ابن خالويه والطبرسي والقرطبي (38)، ولم يأخذوا بردِّ الزجّاج لهذا الأمر، وردّه لهذا آتٍ من نواحٍ دلالية ونحوية، فالدلالية هي أخذ بكون المكث ثلاثمئة والمميز له سنين، وأقلّ الجمع ثلاثة، فهذا مضروب في ذاك ينتج تسعمئة سنة، كما أنّ مميز المئة مفرد ومجرور، وهذا ينفي كونه مميزاً مع قراءة النصب (39)، وردّ ابن الحاجب أقوال الزجّاج كما يأتي: إنّ قوله جارٍ على قراءة الإضافة لا التنوين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير