تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهو أمر قد أبانه الأخفش موضحاً أنّ حمل السنين على الجر تمييز لمئة، وأكّد ابن الحاجب أن (سنين) في حالة الإضافة تمييز لا غير، ويرى أن المميز المجموع تمييزه في الأصل مجموع نحو ثلاثة أثواب، فجاء به على الأصل المهمل أو المتروك (40)، كقولهم: استحوذ واستصوب وكقوله سبحانه وتعالى: (بالأخسرين أعمالاً ((41)، وقد رأى الكسائي وقطرب والفرّاء والأخفش أن العرب تضع الجمع موضع المفرد، ويراه المبرّد كذلك، ويرى الفارسي أن المائة قد تضاف إلى الجمع موضع المفرد، ويراه المبرّد كذلك، ويرى الفارسي أن المائة قد تضاف إلى الجمع، ويرى العكبري أنّ ذلك كأنّه جبر بعلامة الجمع لمّا ذهب من المفرد، فكأنها فتحة المفرد (42)، وهذه الأقوال جميعها مسندة للقول بالتمييز في (سنين)، وقد ردّ الأمر الرضي وأبو حيّان، وذلك لأنّ المميز جاء مجموعاً ومنصوباً، وهذا ليس محفوظاً ـ على السعة في لسان العرب الذي يكون التمييز فيه مفرداً ومجروراً، وما شذّ فضرورة (43). أمّا الدكتور أحمد مكّي الأنصاري فيذهب إلى تعديل القاعدة النحوية إلى "تضاف مائة إلى المفرد كثيراً وتجوز إضافتها إلى الجمع بقلّة" (44)، وهو مستند في كلامه إلى قراءة الإضافة وقد سبقه القدماء بأمرين مؤكدين هما:

ـ إيقاع الجمع موقع المفرد حملاً على المعنى.

ـ اكتفاء العرب بالجمع عن المفرد جوازاً (45). ولا يعتد بالضرورة والاضطرار لمجيئه في القرآن المبين بلا ضرورة أو اضطرار. ومن النحويين من ذهب إلى تخريج (سنين) علة البدل منهم: الكسائي وأبو عبيدة والفرّاء والأخفش والمبرّد والنحّاس وغيرهم (46)، وقال الزجّاج والزمخشري بعطف البيان (47)، وقال آخرون بالبدلية أو عطف البيان كما هو عند ابن عطية (48). والبصريون لا يقولون بعطف البيان بين النكرات وشرطهم العطف بين المعارف، أمّا الكوفيون فيجيزون الأمرين معاً، وقد رُدَّ ما حمله الكوفيون على ذلك إلى البدل في مثل (من ماءٍ صديدٍ) (49)، وهو أمر جار في نكرة ومعرفة (50)، وذلك؛ لأنّ عطف البيان يكون في الكنى والأعلام (51)، وبهذا يكون الرأي. البصري هو الرأي السائد.

ولم يرتضِ بعض النحويين قراءة الإضافة فهي عند قوم غير مختارة، وقد ضعّفها أبو حاتم وخطّأها المبرّد واستبعدها النحّاس، وذهب مكّي إلى أنّ القياس التنوين، وعليه الرضي، وهي عند العكبري حسنة في القياس، قليلة في الاستعمال (52). ويرى أبو زرعة أنّها قراءة مختارة لمجيء الجمع على الأصل، وقال أبو حيان في حكم أبي حاتم، لا يجوز له ذلك، ورأى السمين عدم الالتفات إليه (53)، وقد وردت للنحاة في (سنين) في قراءة الإضافة أحكام منها التمييز الذي تناولناه سابقاً، وحكمان آخران هما:

أولاً: عند الزجّاج النعت لـ (مائة)، إذ قال: (وجائز أن تكون (سنين) نعت المائة وهي محمولة على معدودةٍ أو محسوبةٍ إن جعلت لثلاث أو مائة) (54)، وهو رأي تفرّد به الزجّاج.

ثانياً: بالبدل من (مائةٍ)، قال أبو جعفر (والخفض ردٌّ على مائةٍ، لأنّها مئتين) (55)، وتبعه مكّي وجعله العكبري حُكماً لِقَوم (56)، وَهُوَ أمرُ مُتحَقَّق في هذا الموضع لِلأسباب الآتية:

*إبدال نَكِرة مِن نَكِرة أمر جارٍ في العرَبيّة.

*لفظ (سِنين) هُوَ المَقصودُ بالحكم في اللبثِ (57).

والحكمُ الثاني متسقُ معَ ما هو مشروطُ في البدلِ، أما الحكم الأول فهو قائمُ على أخذِ الجامدِ بالمشتقَ حتى يتسقَ الحكمُ بالنعت في (سنينَ) وفيه تكلفُ التأويل.

الخاتمة:

هذا البحث الموسوم (التمييز في القراءات القرآنية) قد برّز الآيات القرآنية التي جاء في توجيه بعض ألفاظها التمييز وقد بيّنت في ما يأتي:

1 ـ جاء في التمييز في خمس آيات كريمات.

2 ـ وقع الخلاف بين العلماء في توجيه هذه الألفاظ بين الحال والتمييز والبدل وعطف البيان للألفاظ التي قرئت منصوبة.

3 ـ قرئت هذه الألفاظ بالرفع من بعض القرّاء ووجهت توجيهاً نحوياً آخر.

4 ـ لا يجوز تضعيف أو ردّ قراءة متواترة وإن تعارضت مع القاعدة النحوية وما دام هناك توجيه مقبول من علماء آخرين فيؤخذ به، وإن لم نجد فعلينا البحث عن توجيه صحيح فالخطأ فينا وليس في القراءات وقصور العلم لا ينسحب على صحة الألفاظ.

جريدة المظان:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير