وقال أبو جعفر بن الباذش: "وللإمالة أسباب توجيها قد حصرها أبو بكر بن السراج () في "أصوله" وفيما نقل أبو علي () عنه إلى ستة أسباب، وهي كسرة تكون قبل الألف أو بعدها، وياء، وألف منقلبة عن الياء، وألف مشبهة بالألف المنقلبة عن الياء، وكسرة تعرض في بعض الأحوال، وإمالة لامالة" ().
وقال أبو عمرو الداني: "والأسباب التي تجوز معها الإمالة سبعة: الكسرة والياء والإنقلاب من الياء والمشبهة بالمنقلب من الياء والإمالة للإمالة والألف التي ينكسر ما قبلها أو ما بعدها في بعض الأحوال والألف المتطرفة فيما كان على أكثر من ثلاثة أحرف" ().
وبلغ بها الحافظ ابن الجزري اثني عشر سببا بعد أن حكى عن القراء أنهم قالوا عشرة ترجع إلى شيئين: أحدهما الكسرة، والثاني الياء .. إلخ، وقد فصل هذه الأسباب بأمثلتها ().
ومن تأمل هذه التقسيمات وجدها لا تكاد تخرج عن القسمة الثلاثية التي ذهب إليها مكي، ولكن تحديد سمات كل نوع والتمثيل له اقتضى كثرة التفريع والتنويع.
قال أبو عمرو الداني في "الموضح": "والإمالة لا شك من "الأحرف السبعة" و"من لحون العرب وأصواتها، لأن لحونها وأصواتها مذاهبها وطباعها، فقد ثبت بها الخبر وصحت القراءة بها عن رسول الله كما ثبت الخبر بالفتح وصحت القراءة به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" ().
هذا وإن الرواية الصحيحة الثابتة هي عماد ما اختاره كل قارئ في مذهبه في الفتح والإمالة، قال أبو الحسن السخاوي: "وإنما قرأ بها من قرأ لما رواه ونقله، ألا ترى أنهم يميلون الشيء في موضع ويفتحونه بعينه في موضع آخر" ().
وقال مكي بن أبي طالب عند ذكر الألف الهوائي:
إنما هو حرف اتسع مخرجه في هواء الفم، ولذلك قيل له "هوائي" و"هاو" .. ولا تقع الألف إلا ساكنة أبدا، ومفتوحا ما قبلها أبدا، ولا يبتدأ بها أبدا، ولا تكون إلا بعد حرف متحرك أبدا، فهي متفردة بأحوال ليست لغيرها .. قال:
"فيجب على القارئ أن يعرف أحوالها وصفاتها، وإن يلفظ بها حيث وقعت غير مفخمة () ولا ممالة، ولا يميلها إلا برواية، ولا يغلظ اللفظ بها إلا برواية، ويلزم في لفظها التوسط أبدا حتى ترده الرواية إلى إمالة أو تغليظ، وهذا مذكور في كتب اختلاف القراء في الإمالة والفتح وما هو بين اللفظين" ().
فالمدار في الفتح والإمالة عند من قرأ بشيء من ذلك إنما هو على الرواية والنقل، ولذلك لا يتجاوز بالمفتوح ولا بالممال عن مقداره الذي تواترت القراءة به وجرى الأخذ عند أهل الاداء عليه لما يؤدي إليه من اللحن والتحريف. قال الإمام أبو إسحاق الجعبري في "الكنز": "والألف تنقسم إلى لفظ مستقيم وهو الفتح، وهو مرقق على كل حال، وتفخيمه لحن معدود من لغة الأعاجم، وإلى معوج، ويسمى إمالة وإضجاعا وليا وبطحا.
"وهو قسمان: ما ينحى به إلى حد لو زاد به صار ياء، ويسمى إمالة محضة وكبرى، وهي المفهومة عند الإطلاق، وإلى ما ينحى به إلى لفظ بين الفتح والمحضة، ويسمى صغرى بالنسبة إلى الكبرى وبين بين وبين اللفظين أي بين الفتح والمحضة" ().
الفصل الأول:
من مظاهر الانحراف في النطق
بالإمالة كسرة خالصة
وأما العدول بالألف إلى الكسر الخالص فلا أعلم أحدا من أهل الأداء قرأ به أو استجازه، بل وجدتهم يحذرون منه ويمعنون في تحديد كيفية إمالة اللفظ بالألف مخافة الإسراف فيه والإفراط حتى يتحول من الإمالة إلى الكسر، سواء تعلق ذلك بالإمالة الكبرى أم بالإمالة الصغرى، وشناعة ذلك في تعلقه بالصغرى أولى وأحرى.
وقد رأينا الإمام الجعبري يذكر في الكبرى أن ينحى بالألف إلى جهة الياء "إلى حد لو زاد صار ياء" وهذا عين ما قاله أبو عمرو الداني في الكبرى وهو "أن تقرب الفتحة من الكسرة والألف الساكنة من الياء من غير قلب خالص ولا إشباع مبالغ" ().
ونبه الشيخ أبو وكيل ميمون الفخار في تحفته على امتناع الكسر المحض سواء لأهل الإمالة الكبرى أو الصغرى، قال:
"ذا الحد يلفى للجميع فرضا
لكن أهل المحض جزء الكسر لأهل "تقليل" وأهل "محضى"
أكثر، ذو "التقليل" عكس نادر
ولم أرى () أخلاص قلب () في سند ولا أظن أن قرا به أحد ()
ولعل الشيخ أبا وكيل بإثارته لهذه القضية كان يعالج أمرا واقعا بدأت بوادره تنذر بالانتشار والاستفحال.
¥