ثم ترامت الحال بما شجبه الشيخ المذكور حتى أمسى من الأوضاع المشينة الشائعة التي عمت وطمت في البلاد المغربية حتى أخذ المقلدون ينكرون على من ينكرهما ويعترض عليهما كما رأينا في قضية التسهيل.
وقد عم بها الأخذ وطم في الجنوب المغربي وخاصة في سوس منذ أوائل المائة الثالثة عشرة وربما قبل ذلك كما رأينا في تنبيه أبي وكيل الفخار (ت 816)، وحذر العلماء من الوقوع فيها قديما وحديثا حتى كان منهم من منع من القراءة بالإمالة مطلقا سدا للذريعة وقطعا لدابر الفتنة بها.
مواقف العلماء من إبدال الألف الممالة ياء خالصة وما ثار حوله:
لعلنا إذا عدنا إلى مؤلفات الأئمة التي تعرضت للإمالة لا نعدم فيها تحذيرا للقارئ من الإمعان فيها إمعانا يتجاوز بها القدر المرسوم لها سواء كانت إمالة صغرى أم كبرى، ولكن تقويم الأخذ بها في ضوء الواقع العملي لم يكن يومئذ يطرح إشكالا لتوافر الحذق بهذه العلوم الأدائية في العصور الأولى واتساع الرحلة في هذا الشأن إلى أهل الحذق به والرسوخ فيه، فكانت المشافهة به متأتية على الوجوه المرضية التي تلقاها الخلف عن السلف.
ثم ضرب الزمان من ضربه فبدأت هذه العلوم في التراجع، وهكذا لا تطل علينا المائة العاشرة حتى نجد الميزان يضطرب وتميل الكفة ميلا يكاد يكون كليا إلى التطفيف والخسران المبين.
وكانت قضية الإمالة إحدى هذه الهنات التي برزت بروزا واضحا في التلاوة المغربية وخاصة في الجنوب المغربي في بلاد سوس وفي جهات أخرى من المغرب فتفاقم الأمر بها وازداد سواءا بالرغم مما بذل في مقاومتها ووقفها من جهود.
موقف الشيخ أبي العلاء البدراوي بفاس (ت 1257هـ)
تعرض الشيخ أبو العلاء إدريس بن عبد الله البدراوي لقضية الإمالة في كتابه "التوضيح والبيان" الذي فرغ من تأليفه كما ذكر في آخره عام 1231هـ فقال في سياق حديثه عن أحكام الألف:
"ويجب على القارئ أن لا يخفض صوته بالألف حتى تدخله الإمالة في مذهب من لا يميله، لأنه حرف خفي شديد الخفاء لا تساع مخرجه" قال:
"ويتأكد في حق القارئ أيضا أن يتحفظ في المواضع التي تثبت فيها إمالة الألف عن أن ينقلب في لفظه ياء خالصة كما يفعله جل الناس، وذلك من التحريف البين والله أعلم" ().
فقول الشيخ البدراوي "كما يفعله جل الناس" يدل على ما قلناه من شيوع هذا الاستعمال لهذا العهد، وأحسب أنه لو كان فيه أدنى شبهة جواز لما تردد المتسامحون في إدراجه فيما جرى به العمل.
ولكونه كذلك فقد ظل علماء الفن ينكرونه على العوام ويعتبرونه من الأوضاع الشائنة التي تسللت إلى التلاوة المغربية في جملة ما تسلل إليها بسبب التفريط في الالتزام التام بقواعد التجويد وعلومه ().
وهذا القارئ الصحراوي الشيخ علي بن أف الشنقيطي المعروف بـ"عال ولد أف "يذكر هذا الإستعمال المزري في جملة ما انتقده في أرجوزته الآنفة الذكر التي انتقد فيها إبدال همزة بين بين هاء خالصة فيقول:
"وقرأوا إمالة كبراها
لذاك لم يجز لأهل البلد
أن يقرأوا "طه" بقول الأزرق صغرى وذي الصغرى بما خلاها
قبيل أخذهم لقار مهتد
إذ شيخه القارئ بالصغرى اتق ().
فها هو الشيخ عال ينتقد هذا التخليط في تلاوة أهل بلده بين الكبرى والصغرى ويهيب بأهل البلد أن يتركوا القراءة بالإمالة للأزرق في "طه" وهي الإمالة المحضة الوحيدة في طريقه كما سيأتي، حتى يأخذوا القراءة على وجهها من قارئ مهتد إن وجدوه.
مواقف علماء سوس وقرائها:
ولعل العراك حول قضية النطق بالإمالة ياء خالصة لم يبلغ في جهة من جهات المغرب ما بلغه في سوس في أثناء المائة الثالثة عشرة وما بعدها، حيث نجد عددا من مشاهير العلماء والقراء قد تدافعوا إلى معمعته بين منكر على أهل هذا الإستعمال يدعو إلى العودة إلى القراءة بالفتح فقط، وبين مدافع عن الإمالة ولزوم الأخذ بها لثبوتها في الرواية التي عليها الأخذ في التلاوة المغربية بقطع النظر عن التمكن من أدائها على الوجه المطلوب أو عدمه.
1 - موقف الشيخ عبد الرحمن الجشتيمي:
¥