تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتأمل قوله تعالى (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤوساً) [الإسراء 83] كيف أتى هنا بـ (إذا) المشعرة بتحقيق الوقوع المستلزم لليأس فإن اليأس إنما حصل عند تحقق مس الشر له فكان الإتيان بـ (إذا) ههنا أدل على المعنى المقصود من (إن) بخلاف قوله (وإن مسه الشر فذو دعاء عريض) [فصلت 51] فإنه بقلة صبره وضعف احتماله متى توقع الشر أعرض وأطال في الدعاء فإذا تحقق وقوعه كان يؤوساً.

ومثل هذه الأسرار في القرآن لا يُرقى إليها إلا بموهبة من الله وفهم يؤتيه عبداً في كتابه.

فإن قلت فما تصنع بقوله تعالى (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) [النساء 176] والهلاك محقق؟!

قلت: التعليق ليس على مطلق الهلاك بل على هلاك مخصوص وهو هلاك لا عن ولد.

فإن قلت: فما تصنع بقوله (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون) [البقرة 172] وقوله (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين) [الأنعام 118]، وتقول العرب: إن كنت ابني فأطعني؛ وفي الحديث في السلام على الموتى: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، واللحاق محقق، وفي قولة الموصي: إن مت فثلث مالي صدقة؟!

قلت: أما قوله (إن كنتم إياه تعبدون) [البقرة 172] الذي حسن مجيء (إن) ههنا الإحتجاج والإلزام؛ فإن المعنى: إن عبادتكم لله تستلزم شكركم له بل هي الشكر نفسه فإن كنتم ملتزمين لعبادته داخلين في جملتها فكلوا من رزقه واشكروه على نعمه؛ وهذا كثيراً ما يورد في الحجاج كما تقول للرجل: إن كان الله ربك وخالقك فلا تعصه، وإن كان لقاء الله حقاً فتأهب له، وإن كانت الجنة حقاً فتزود إليها؛ وهذا أحسن من جواب من أجاب بأن (إن) هنا قامت مقام (إذا) وكذا قوله (إن كنتم بآياته مؤمنين) [الأنعام 118] وكذا قولهم: إن كنت ابني فأطعني؛ ونظائر ذلك.

وأما قوله (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)، فالتعليق هنا ليس لمطلق الموت وإنما هو للحاقهم بالمؤمنين ومصيرهم إلى حيث صاروا.

وأما قول الموصي: إن مت فثلث مالي صدقة، فلأن الموت وإن كان محققاً لكن لمّا لم يعرف تعيّن وقته وطال الأمد وانفردت مسافة أمنية الحياة نزل منزلة المشكوك، كما هو الواقع الذي يدل عليه أحوال العباد، فإنَّ عاقلاً لا يتيقن الموت ويرضى بإقامته على حال لا يحب الموت عليها أبداً، كما قال بعض السلف [وهو مطرّف بن عبدالله]: ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت؛ وعلى هذا حمل بعض أهل المعاني (ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) [المؤمنين 15 - 16] فأكد الموت باللام وأتى فيه باسم الفاعل الدال على الثبوت وأتى في البعث بالفعل ولم يؤكده).

ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[22 - 04 - 08, 01:34 م]ـ

الفائدة العاشرة:

إن الله تعالى حيث ذكر الصلاة في كتابه عبر عنها بالإقامة والمحافظة ونحوها من المعاني المنبهة على أن المطلوب في الصلاة ليس مطلق فعلها ومجرد الإتيان بهيئاتها، بل هو توفية حقوقها وشرائطها وامتلاء القلب بآثارها، ولم يعبر عنها بالصلاة إلا لسبب يقتضي ذلك من مثل أحد المعاني التالية:

الأول: أن تقيد بالإخلاص وإرادة وجه الله كقوله تعالى (فصل لربك) [الكوثر]، ولا سيما أن الأمر هنا للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه قد عُلم أنه سيقيمها ولا بد، فإنه لا يتصور أن تقع منه على غير هيئة الإقامة والإتقان والخشوع؛ وثم أمر ثالث وهو أن الأمر بالصلاة هنا واقع مقابل صلاة الكفار لأصنامهم، فهو أمر بمخالفتهم، أي هو أمر بمطلق الصلاة، والأمر بإقامتها معلوم من مواضع أخرى في القرآن.

الثاني: أن يقتضي المقام ذم القائمين بها لأنهم كانوا غافلين عنها غير ملتفتين إلى مراعاتها كقوله تعالى (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) [الماعون] وقوله تعالى (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) [الأنفال 8]

الثالث: أن يكون المقصود بيان كيفية من كيفيات الصلاة أو مسألة من المسائل المتعلقة بها؛ كما في آيات صلاة الخوف؛ قال تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك---) إلى قوله تعالى (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة---) [النساء 102 - 103].

ففي آيات هذه الصلاة لم تنسب الإقامة فيها إلا إلى الإمام، لأنه هو الذي يتمها دون المحاربين؛ الذين ينقسمون في أدائها إلى طائفتين؛ وأمرهم بإقامة الصلاة بعد الإطمئنان وذهاب الخوف وإدبار العدو.

ومما يلاحظ من طريقة التعبير القرآني عن الأمر بإقامة الصلاة أنه لم يرد أمر للمؤمنين بمطلق الصلاة كأن يقال: يا أيها الذين آمنوا صلوا؛ لأن فعل الصلاة حاصل من المؤمنين وإلا لم يكونوا مؤمنين، لأن تارك الصلاة ليس بمؤمن باتفاق العلماء.

وانظر فصلي (نظرات في ألفاظ القرآن) و (الكلمة مع أخواتها والعبارات مع رفيقاتها) من كتاب (المعجزة الكبرى: القرآن) لمحمد أبو زهرة (ص78 - 92).

وهذه الفائدة أدرجتْ خطأً في الفائدة الخامسة، وليست منها ولا من كلام السعدي رحمه الله فأرجو التصحيح والمعذرة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير